لأن الصورة قاتمة، فالحاضر مقلق والمستقبل ضبابي، ..افتتاحية القبس تدعو مجددا للحوار الوطني لأن الوضع القائم صعب ان يستمر طويلا
زاوية الكتابكتب إبريل 29, 2010, 1:20 ص 1203 مشاهدات 0
قضية القيس اليوم
مجدداً.. لنذهب إلى حوار وطني!
صورة الكويت قاتمة: الحاضر مقلق، المستقبل ضبابي، الرؤية معدومة أو تكاد.
أزمة طاحنة متشعبة تعيشها البلاد منذ سنوات.
أزمة سياسية عنيفة متفاقمة، تواكبها أزمة مالية – اقتصادية معقدة، تتداخلان فتعطلان السير الطبيعي السليم للحياة: تتدهور المؤسسات، تخرّب القطاعات، تتخلف المرافق، يخيم شبح التفكك على المجتمع، تنتعش آفات الطائفية والقبلية والفئوية، تتراجع الصحة، يهبط التعليم، تهوي الرياضة، تضيع الخدمات، تنتشر الرشوة والفساد، وتختفي هيبة القانون!
ولا نرى في الأفق مخرجا.
والأخطر ان مساعي المعالجة تتراجع وتفتر.
فالعقول يداهمها التشوش، والهمم ينخرها الفتور، والسواعد يصيبها الوهن، وهذا أشد فتكاً من الأزمة، على خطورتها، لأنه يعني فقدان الثقة بالنفس، وبالبلد، وبالأمة، وبقواها الحية، وبالمستقبل!
كنا نحتاج فعلا الى تنبيه سمو أمير البلاد لنا جميعا خلال حديثه الى الصحيفة الألمانية، فهو الربان الذي يقود سفينة الوطن، وعلى عاتقه أمانة أن يقودها وأهلها نحو الأمن والازدهار والتقدم وهو أهلٌ لهذه الأمانة.
جاءت كلمة سموه لتذكرنا بأزمتنا، وبمشاكل يعانيها نظامنا الديموقراطي. وفيها تحفيز للبحث عن تشخيص ومخارج وحلول، فهي بالتالي تطلق نقاشا واسعا سيتفاعل تلقائيا، ويضع الجميع أمام مسؤولياتهم تجاه الكويت، ونظامها الديموقراطي، ودستورها، وحرياتها الرئيسية، ومؤسساتها السياسية، كي نستكشف معا، وبجهد مشترك وانفتاح على الآخر، وثقة متبادلة، على قاعدة تغليب العام على الخاص، طرق الخروج من الأزمة والانطلاق مجددا الى الأمام.
التي واكبت الأزمة في مختلف مراحلها وتجلياتها، وألقت الأضواء عليها، واجتهدت في اقتراح الحلول، إنما تساهم اليوم في النقاش الذي حفزه حديث سمو الأمير، انطلاقا من مسؤوليتها الوطنية ودورها التنويري. وذلك عبر تقديم رؤيتها لأسباب الأزمة، والمسؤوليات عنها، وإطار المعالجة، والحل.
أما في الأسباب، فإن الأزمة المتشعبة والمستشرية على كل المستويات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتنموية ناتجة عن غياب المشروع السياسي، والرؤية الاقتصادية لإعادة تجديد المشروع الكويتي النهضوي. هذا هو الجوهر، وكل التوترات والصراعات والخلافات، إنما هي تجليات له.
وكما هو معروف، فإن غياب الرؤية والمشروع لا يكون مسؤولية طرف واحد، بل هو في حقيقته مسؤولية أمة بأكملها، وإن بدرجات متفاوتة، تتحملها مكوناتها.
لذا، فإن محاولات اختصار الأزمة بمستوى واحد، والقول إن سببها الحكم، او الحكومة، او مجلس الأمة، أو الأسرة الحاكمة، كل على حدة، لا تضع الاصبع على السبب الحقيقي لمأزقنا الوطني، وتؤدي إلى إطالة عمر الأزمة، وتؤخر معالجتها والخروج منها.
ان واجب الصدق في التعامل مع القضايا الوطنية يقتضي المصارحة بأن مسؤولية النظام تبقى هي الأكبر في وصولنا إلى المأزق، لسببين: فهو أولا قد حاصرنا بحكومات متتالية فاقدة للرؤية والإرادة والمشروع والخطة والبرنامج، فاقدة القدرة على المبادرة والاقدام، وغير قادرة على تحمل مسؤولية قراراتها.
كما تكمن مسؤولية النظام في انه تأخر كثيرا، وربما لم يبادر لترتيب أوضاع الأسرة ومعالجة خلافاتها، رغم اننا جميعاً نتأثر بها، حكما وحكومة ومجلسا وشعبا.
وبعد النظام، تأتي مسؤولية الحكومة مباشرة، فهي عاشت في مراحل طويلة في حال الجمود واللاقرار، واللاإنجاز، وغياب الرؤية والمراوحة والتردد، والخوف حتى الهلع، بينما الحكم رؤية ومشروع وقرار وتنفيذ، وهي على مدى سنوات طغى عليها الترهل فلم تنجز مشروعا رئيسيا وحيويا، بما فيها المشاريع غير المشروطة بموافقة مجلس الامة.. واختبأت طويلا وراء مقولة «التأزيم».. ومع انها كسرت منذ عام مضى حلقة التردد، وحققت فوزاً كبيراً في مواجهة موجة الاستجوابات، الا انها لم تستفد كما يجب من المعطيات الجديدة، ومازالت بطيئة الخطى في سلوك طريق التنمية التي يتوق إليها الكويتيون ويحتاجونها، والاصلاح الذي انتظروه طويلا.
وشكلّ مجلس الأمة أحد أبرز مظاهر الأزمة الأكثر فجاجة، فبالغ في الرقابة وتخلى عن التشريع، وتعسَّف نواب في استخدام أدواتهم الدستورية، وسطوا على صلاحيات السلطة التنفيذية، منتهكين مبدأ فصل السلطات، أرقى ما أنتجه الفكر البشري السياسي، وقدموا الخاص على العام، وسعوا، كما أكد سمو الأمير، الى «إرضاء الشارع بقرارات ترضي المشاعر ولا ترضي المنطق»، واعتمدوا استجوابات عشوائية ترافقت مع انحطاط غير مسبوق في لغة التخاطب. وقد صارت هذه الممارسات النيابية عنصر تيئيس للناس من الديموقراطية ومجلس الأمة، خاصة أن اصحاب هذا النهج من النواب كوَّنوا محورا طبيعيا مع المتضررين من الحياة الدستورية داخل الاسرة والنظام، يتحركون ويحركون خيوطا أخرى على وقع الإساءة، الى أبعد الحدود، للنظام الديموقراطي والدستور.
إن وطأة الأزمة كان يمكن أن تكون أخف كثيرا لو أن القوى السياسية تعيش حالة طبيعية، ولم تدخل في سبات عميق أضعف دورها وأغرقها في خلافات داخلية، وأفقدها البرنامج والرؤية، وأصابها بالعقم حتى باتت عاجزة عن بلورة مشروع إنقاذ وطني، وأصبحت تشكل أحد أوجه الأزمة، بدلا من أن تكون رافدا من روافد الحل وصياغة المستقبل.
ومع هؤلاء جميعا لا ننسَ مسؤولية المواطن.. صحيح، ان الأزمة تجعله في حالة تخبط، وقلق على المصير والمستقبل، وتشوش رؤيته وحسه السليم، لكنه مسؤول لأنه هو الذي يختار نوعية النواب الذين يصلون الى المجلس ويمثّ.لون الأمة، وهو لاشك يدفع نصيبه نتيجة هذا الاختيار، خصوصاعندما تتحكم فيه النعرة المذهبية والطائفية والعائلية والقبلية والمصالح الآنية.
إذا كانت هذه هي أسباب الأزمة ومسؤوليات الأطراف فيها - وهي على كل حال رؤية اجتهادية تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ - فإن ما لا يحتمل الاجتهاد ولا التأويل في رأينا، هو الإطار الذي ينبغي ان نبحث ضمنه ومن خلاله عن الحلول. ونقصد بهذا الاطار، الدستور ولا شيء غيره، ولا شيء خارجه.
فأبرز الحقائق وأكثرها وضوحا بالنسبة إلينا، ونأمل ان يكون الأمر كذلك بالنسبة إلى الجميع أيضاً، ان الالتزام بالنظام الديموقراطي وبمبادئ الحرية والمساواة التي حرص المؤسسون على تكريسها وحمايتها، والاحتكام إلى الدستور والعمل وفق منظوره وأحكامه، هي خشبة الخلاص وصمام الأمان.
ندرك ان هناك في النظام والأسرة والمجلس وبعض القوى، من يزين حلولاً من خارج الدستور، ويدعو إليها، ويعبئ من أجلها، ويدفع باتجاهها، ويروج لحل غير دستوري لمجلس الأمة، وتعطيل الحياة الديموقراطية.
لا يمكن أن يكون هذا طريق الحل، بل أقصر الطرق إلى الهاوية. وجميعنا يتذكر مآسي تجربتين فاشلتين عامي 1976 و1986، ارتكبت فيهما كل أشكال الخطايا السياسية، وأفدح سرقات المال العام، كما كان الغزو الصدامي من ثمار الحياة اللادستورية.
وفي إطار الالتزام بالدستور والعمل بمقتضياته تجدد الدعوة التي كانت أطلقتها قبل 14 شهراً للالتقاء في إطار وطني عام للحوار.
ونقترح ان من يدعو إلى هذا الحوار، كما جرى في بلدان أخرى، هو رئيس الدولة، وهو هنا سمو الأمير، الذي يحظى بإجماع الكويتيين وتقديرهم واحترامهم، وتشمل عضويته من يمثل الأسرة، والنواب جميعا، والحكومة، وجميع أطياف المجتمع الكويتي السياسية والمهنية والقطاعية.
وفي هذا المؤتمر، نضع كل قضايانا على طاولة الحوار، من جوهر الأزمة ومظاهرها، والحلول ودور الحكم في العلاج، حتى تركيبة الحكومة، ونوعية الوزراء، والانخراط في عملية التنمية والإصلاح، والاختناقات في نظامنا الديموقراطي، وأسباب عدم تفعيل مواد الدستور، وما اذا كانت هناك مواد تستحق التعديل نحو مزيد من الديموقراطية والحريات وتوسيع نطاق التمثيل الشعبي.
مؤتمر الحوار الوطني الذي نكرر الدعوة إليه اليوم، إطار لتبادل الأفكار واستعادة الثقة المفقودة، يتوافق فيه المشاركون على الحلول، كما على المسائل الوطنية الرئيسية التي أشار إليها سمو أمير البلاد في حديثه.
إنها دعوة إلى فزعة وطنية كويتية، فالوضع القائم صعب ان يستمر طويلا، والكويت تستأهل ان ننخرط من دون تسويف في عملية انقاذها.
تعليقات