هل هناك رغبة أميرية سامية بتنقيح الدستور؟
محليات وبرلمانإبريل 28, 2010, 5:21 م 4651 مشاهدات 0
رأينا
قراءة في مقابلة سمو الأمير
نشرت صحيفة (فراكفورتر الغماينه تزايتونغ) الألمانية قبل يومين لقاء صحافيا مع حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه. (أنظر نص المقابلة على الرابط:
http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?nid=51255&cid=30
وقد كان من الطبيعي أن يكون للقاء سموه قراءات وتفاسير مختلفة، ومن المنطقي أن تتباين هذه القراءات فالمقابلة لم تكن مع شخص عادي، ولا هي مع نائب أو وزير، بل هي مقابلة مع كبير القوم وقائد السفينة وأب السلطات الدستورية الثلاث جميعا.
تطرقت المقابلة لمسائل عديدة حول علاقة البلدين الصديقين، وحول نظرة سموه لمستقبل هذه العلاقات ومسائل عدة هامة.
وقد قرأنا في لقاء سموه مسألتين هامتين فيما يتعلق بالعلاقة بين السلطتين ورأي سموه في الدستور. فمما قاله سموه (حفظه الله) في المقابلة عن مجلس الأمة:
'البرلمان قد خيب آمال الشعب، فقد ضيع فرصة ثمينة ووقتا طويلا في مناقشة مسائل بعيدة كل البعد عن المشاريع التنموية '.
والقراءة أن ما ذكره سموه حول نقده لمجلس الأمة ليس جديدا، فقد عبر سموه عن تذمره وامتعاضه من أداء مجلس الأمة في خطاب حل مجلس الأمة في شهر مارس من العام الماضي حيث قال سموه: 'ولكنني بكل الأسف أصارحكم كما يصارح الأب أبناءه بأن بعضا منا قد غرتهم نعم الله فاعتادوها وطال عليهم الأمد فقست قلوبهم.
وتناسوا أمن سفينة الوطن الغالي التي هي حصن الجميع وراحوا يتبارون في مماحكات وممارسات محمومة - أيا كانت مقاصدهم - تهدد سلامة الوطن واستقراره ووحدة أبنائه ويعرضون شعبا بأكمله للخطر الذي ليس وراءه خطر.
ولا شك أنكم أيها الأخوة تابعتم مثلي بكل استياء وألم ما تشهده الساحة البرلمانية من ممارسات مؤسفة شوهت وجه الحرية والديمقراطية الكويتية' ليضيف رعاه الله: 'ولم يعد خافيا أيها الأخوة أن تلك الممارسات قد أفسدت التعاون المأمول بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وأشاعت أجواء التوتر والتناحر والفوضى بما أدى إلى تعثر مسيرة العمل الوطني في البلاد وامتدت طويلا وامتد معها صبر المواطنين بلا جدوى.'
إذن نستشف من رأي سموه بالمقابلة مع الصحيفة الألمانية بأنه لا زال عند قناعته بوجود 'خلل متفاقم يشوب العمل البرلماني'، وذلك على الرغم من أن سموه حل المجلس حلا دستوريا وجرت انتخابات جديدة حل بها مجلس جديد دخلت فيه المرأة نائبة في البرلمان لأول مرة. وهنا نرى بأن رأي سموه من هذا المجلس مقارب إلى حد كبير من رأيه من المجلس الماضي.
ولعل أهم ما ورد في المقابلة الصحفية مع سموه هو ما ذكره في مسألة الدستور، حيث قال سموه:
'خطأ البرلمان في أداء وظيفته يعود إلى الدستور الكويتي لأن هذا الدستور يمزج بين النظامين البرلماني والرئاسي ولذلك فلا هو رئاسي صرف ولا برلماني بالمطلق وإنما هو يجمع بينهما معا وهذا الوضع يؤدي إلى تداخل السلطات التشريعية والتنفيذية وهذا ينتهي إلى تنازع بين السلطتين لأن كل منهما تسعى إلى تقليص صلاحيات الأخرى وفي نهاية المطاف فان البرلمان قد أصبح أقوى من الحكومة وتمكن من فرض آرائه فالنواب يريدون ارضاء 'الشارع' بقرارات سريعة ترضي المشاعر ولا ترضي المنطق ونتيجة لذلك لم نتمكن من الوصول الى توافق حول المسائل الوطنية الرئيسية ولم نتمكن من المصادقة على المشاريع التنموية البعيدة المدى'.
وهنا يكون سموه –حفظه الله- قد عبر عن رأيه كمواطن وكأب للسلطات جميعا في أن الدستور الكويتي القائم يخلط بين نظامين، وهذا الرأي حول الفرق بين النظام الرئاسي والنظام البرلماني تداولته مضابط لجنة الدستور بالمجلس التأسيسي وأشار إليها الكاتب أحمد الديين بمقاله الذي نشر اليوم (أنظرالرابط:http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?nid=51367&cid=47
إن تعبير سموه عن التداخل بين السلطات، ورأيه في الدستور يختلف عن رأي أي مواطن آخر، فهو أبو السلطات جميعا- كما أسلفنا- وهو الفرد الوحيد الذي يستطيع أن يتقدم باقتراح تعديل الدستور مع ثلث أعضاء المجلس مثلما نص الدستور نفسه، لمزيد من الحريات متطلبا موافقة ثلثي أعضاء مجلس الأمة في حالة إقرار مبدأ التنقيح مثلما نصت المادتين 174 و 175 من الدستور نفسه:
174: ' للأمير ولثلث أعضاء مجلس الأمة حق اقتراح تنقيح هذا الدستور بتعديل أو حذف حكم أو أكثر من أحكامه، أو إضافة أحكام جديدة إليه.
فإذا وافق الأمير وأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس الأمة على مبدأ التنقيح وموضوعه، ناقش المجلس المشروع المقترح مادة مادة، وتشترط لإقراره موافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ولا يكون التنقيح نافذا بعد ذلك إلا بعد تصديق الأمير عليه وإصداره، وذلك بالاستثناء من حكم المادتين 65 و 66 من هذا الدستور.
ولا يكون هذا التنقيح إلى لمزيد من الحرية والمساواة مثلما نصت المادة 175:
'الأحكام الخاصة بالنظام الأميري للكويت وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها، ما لم يكن التنقيح خاصا بلقب الإمارة أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة'.
فهل ما ورد في مقابلة سموه مع الصحيفة الألمانية يعني أن لديه رغبة سامية في تنقيح الدستور؟ هذا السؤال لا يمتلك الإجابة عليه سوى سموه وحده، وإذا ما رغب سموه في تقديم مقترحات لمجلس الأمة بتنقيح الدستور، فإن ذلك حقه الدستوري المطلق الذي لا ينازعه عليه.
هذه هي قراءتنا لمقابلة سموه الأمير –حفظه الله- والتي تتسق مع خبره الشعب مع هذا القائد الذي طالما كرر تمسكه بالدستور وبالديمقراطية وحرصه عليها أكثر من بعض المزايدين والمتكسبين بها، وممن يعملون جاهدين هذه الأيام على تفسير لقاء سموه على نحو لا يتوافق مع التزامه المبدئي والواضح والمعلن بالنهج الديمقراطي.
بقيت نقطة أخيرة، وهي أن من يكره هذا البلد واستقراره حبا لمصالحه وطمعا في إطلاق يده ليعيث فسادا في البلاد، ولكي يغرف من أموال العباد، دون رقيب أو حسيب، ستخيب قراءته، وستنتكس كل تطلعاته البغيضة وأمانيه المستحيلة بالانقلاب على النظام الدستوري بالبلاد، لأن سمو الأمير أقسم على حماية هذا الدستور وكان ولا يزال بارّا بقسمه بكل صدق مع الذات والتزام بالمباديء.
عاشت الكويت حرة ديمقراطية بقيادتها الشرعية الدستورية.
تعليقات