النظام الرئاسي مقابل البرلماني والفرق بينهما في مضابط المجلس التأسيسي للدستور يكتب عنها احمد الديين

زاوية الكتاب

كتب 3993 مشاهدات 0


قصة “بين النظامين”..! 
 
كتب احمد الديين

قبل ثمانية وأربعين عاما من يومنا هذا، وبالتحديد في يوم 28 أبريل من العام 1962 عقدت لجنة الدستور في المجلس التأسيسي جلستها السادسة، التي توصلت فيها إلى توافق حول الخلاف بين أعضاء اللجنة في شأن طبيعة النظام الديمقراطي للكويت، وما إذا كان برلمانيا تكون فيه سلطة القرار بيد البرلمان المنتخب، مثلما كان رأي غالبية الأعضاء أم نظاما رئاسيا تكون فيه السلطة مركّزة بيد رئيس الدولة، مثلما كان يرى عضو اللجنة ووزير الداخلية الشيخ سعد العبداللّه، حيث تمّ تبني نظام وسط بين النظامين البرلماني والرئاسي مع انعطاف أكبر نحو أولهما، وهذا ما جرى تثبيته في التصوير العام لنظام الحكم ضمن المذكرة التفسيرية للدستور... فما هي طبيعة ذلك الخلاف؟... وكيف تمّ التوصل إلى حلّ الخلاف والتوافق على النظام الوسط؟
في بداية الأمر لم يكن الفرق بين النظامين البرلماني والرئاسي واضحا لدى معظم أعضاء اللجنة، ففي الجلسة الرابعة المنعقدة يوم 7 أبريل 1962 طلب عضو اللجنة يعقوب الحميضي أن يكون نظام الحكم نظاما رئاسيا ضمانا للاستقرار، وهو الموقف، الذي تبناه معه أول الأمر عضو اللجنة وزير العدل حمود الزيد الخالد وذلك عندما قال إنني أفضل النظام الرئاسي، أي أن يصبح رئيس الدولة رئيسا للحكومة، حتى نضمن استقرار الحكومة... أما رئيس المجلس التأسيسي عبداللطيف محمد ثنيان الغانم فكان معارضا لذلك التوجّه وأعلن بوضوح في تلك الجلسة: “أنا أعارض النظام الرئاسي وأطالب بالنظام البرلماني، وإننا نضع الأسس العامة للمستقبل لا نريد أن نسد الطريق أمام هذه المستقبل”.
وفي الجلسة الخامسة للجنة الدستور المنعقد يوم 21 أبريل 1962 عرض الخبير القانوني للحكومة الأستاذ محسن عبدالحافظ مقارنة بين النظامين البرلماني والرئاسي، وهنا عدل عضوا اللجنة يعقوب الحميضي وحمود الخالد عن رأيهما السابق وتبنيا النظام البرلماني، وقال الخالد: “النظام البرلماني هو الأصلح للكويت”، وقال الحميضي: “النظام البرلماني أنسب بكثير لأنّ النظام الرئاسي يتطلب أن يُنتخب رئيس الدولة، وهذا ما لا يتلاءم مع وضعنا”... أما الشيخ سعد العبداللّه فكان من معارضي النظام البرلماني وقال: “إنني شخصيا أعارض هذا النظام لأنّه سيجرنا لمشاكل كثيرة ترونها في المستقبل”، وأضاف: “يجب أن نقدم نظاما يمكن أن يلائمنا، وفي رأيي أنّ النظام الرئاسي هو الذي يحقق هذا الاتجاه”... وفي تلك الجلسة أوضح أربعة من أعضاء اللجنة تأييدهم للنظام البرلماني، وكانوا يشكلون الغالبية الساحقة  حيث كانت اللجنة مكونّة من خمسة أعضاء، والأربعة هم: عبداللطيف محمد ثنيان الغانم، وحمود الزيد الخالد، ويعقوب الحميضي، وسعود العبدالرزاق، فيما اختلف معهم العضو الخامس الشيخ سعد.
وفي الجلسة السادسة للجنة الدستور، التي انعقدت في مثل يومنا هذا في 28 أبريل من العام 1962 كرر الشيخ سعد نقده للنظام البرلماني، الذي قال إنّه “أدى إلى كثير من المصاعب وعدم الاستقرار”، وردّ عليه الخبير الدستوري الدكتور عثمان خليل عثمان بالقول إنّ “للنظام الرئاسي مزاياه وعيوبه، ولكنه أيا كان الرأي فيه فإنّه لا يوجد أصلا إلا في النظام الجمهوري، وعيبه الأساسي أنّه يضع المسؤولية على عاتق رئيس الدولة نفسه ويجعل كل مساءلة أو نقد موجها إلى شخصه، وهذا لا يُقبل في الدول الملكية أو الأميرية، حيث يجب تجنيب رئيس الدولة هذا الحرج وجعل ذاته مصونة وفوق النقد والتجريح، ولهذا يمكن التفكير في عمل تزاوج بين النظامين يهدف إلى تحقيق مزايا كل منهما وتجنّب عيوب هذا النظام أو ذاك على السواء وقدر المستطاع”.
وتمّ تثبيت هذه التسوية التاريخية في المذكرة التفسيرية للدستور، وهذا ما استند إليه التصور العام لنظام الحكم في الكويت، مع التأكيد على أنّ نظامنا الديمقراطي هو نظام وسط بين النظامين البرلماني والرئاسي مع انعطاف أكبر نحو أولهما... وبالتالي فإنّ التطور الديمقراطي اللاحق والمتسق مع روح الدستور يقتضي في حال تنقيحه مستقبلا أن تُستكمل متطلبات التحوّل نحو النظام البرلماني، وليس التراجع عن المكاسب الجزئية المتحققة من النظام البرلماني والتحوّل إلى النظام الرئاسي، الذي يفتقد فيه البرلمان الكثير من سلطاته الدستورية تشريعا ورقابة، مثلما كان الهدف المقصود من مشروع تنقيح الدستور في أوائل عقد الثمانينيات!
 

عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك