لا رئاسي ولا برلماني خير البرلمانات أوسطها.. رأي داهم القحطاني

زاوية الكتاب

كتب 1453 مشاهدات 0


 

للرد على الآراء المختلفة حول أشكال الدساتير جاءت المذكرات التفسيرية لتوضح الطبيعة التي تمت بها صياغة النصوص الدستورية كي تصلح مثل هذه التفسيرات في كل زمان .

فعلى سبيل المثال لا الحصر تعتبر قضية شكل النظام السياسي في الكويت من القضايا التي أخذت وقتا طويلا من البحث في لجنة الدستور وفي جلسات المجلس التأسيسي نفسه ذلك أن هذا الشكل حدد لاحقا كيفية صياغة نصوص مواد الدستور .

وفي ذلك النقاش الدستوري المستفيض كانت المعضلة التي واجهت الآباء المؤسسين كيفية تحديد الشكل الأنسب للنظام السياسي في الكويت ما إذا كان رئاسيا أو برلمانيا في ظل وجود أسرة حاكمة تتبع النظام الوراثي.

النظام الرئاسي كما هو معروف يقوم على انتخاب الرئيس مباشرة من قبل الشعب وهذا لا يتصور في بلد كالكويت كما أن الرئيس والوزراء في النظام الرئاسي بالإمكان محاكمتهم جنائيا أمام البرلمان كما حصل للرئيس الأميركي بيل كلينتون ذات مره وهذا الأمر لا يمكن تصور حصوله في الكويت .

أما النظام البرلماني البحت فكان اتباعه سيحول نظام الحكم في الكويت الى نظام سياسي تملك الأسرة الحاكمة فيه ولا تحكم كما في بريطانيا, وهو ايضا أمر لم يكن يتصور في الكويت حين كتابة الدستور الكويتي كما أنه لم يكن في الأصل من المطالب الشعبية آنذاك فالأسرة الحاكمة كان لها دور مهم في إدارة شؤون البلاد من النواحي كافة منذ نشأة الكويت مطلع القرن السابع عشر ميلادي .

إذن نتيجة لهذا الوضع تم التوصل الى طريق وسط بين النظامين الرئاسي والبرلماني في الكويت يكون فيه للأسرة دور مهم في إدارة شؤون البلاد تحت مظلة مجلس أمة منتخب مباشرة من الشعب .

وتبرز ملامح هذا الطريق الوسط في الآتي :

- يتكون مجلس الأمة من أعضاء منتخبين ومعينين وهو أمر لا يحصل في الأنظمة البرلمانية الحقيقية.

- تعمل الحكومة من دون الحاجة الى الحصول على ثقة البرلمان المنتخب وهذا الأمر من سمات النظام الرئاسي فرئيس الدولة يختار الوزراء من دون الحاجة الى أخذ موافقة البرلمان .

- يقوم الوزراء بالتصويت على القوانين من دون أن يكونوا منتخبين , كما أنهم ومن خلال عضويتهم في مجلس الوزراء تكون لهم فرصة أخرى للتعقيب على هذا التصويت حين ترسل هذه القوانين لمجلس الوزراء .

- يشارك الوزراء في اختيار رئيس مجلس الأمة ونائب الرئيس وأمين السر ومراقب المجلس وأعضاء اللجان البرلمانية بالرغم من ان ذلك شأن برلماني صرف .

- لا يتم طرح الثقة في رئيس الوزراء بعد استجوابه وانما يترك الحكم لرئيس الدولة ( سمو الأمير ) في حال التصويت بعدم التعاون معه من قبل البرلمان فإما ان يحل مجلس الامة او يقبل سموه استقالة الحكومة .

ولكن ومقابل هذه التسهيلات الواسعة التي أعطيت للحكومة وهي تسهيلات تسهل عمل اي حكومة في العالم تم اعطاء أعضاء البرلمان حقوق في الرقابة السياسية لمجلس الأمة ككل, ولاعضاء المجلس كل على حده كي لا تتم المبالغة بما أسمته المذكرة التفسيرية بضمانات رئيس الوزراء.

ومن أهم هذه الحقوق التي تحد من تحول النظام السياسي في الكويت الى الشكل الرئاسي حق البرلمان في اقرار القوانين بأغلبية الثلثين رغم الرفض الضمني لرئيس الدولة وهو الرفض الذي يسمى دستوريا بـ ' طلب اعادة النظر' في القانون الذي شرع ولم يصدر , كما أن من حق البرلمان وان لم يحصل على أغلبية الثلثين اصدار القوانين بأغلبية اعضاء المجلس في دور الانعقاد التالي لردها .

ولهذا فإن أولى ملامح تطعيم النظام السياسي في الكويت بسمات النظام الرئاسي ستكون حتما عبر طلب تقييد حق البرلمان في ذلك بحيث لا يمر أي قانون يطلب رئيس الدولة اعادة النظر فيه مالم يحصل على اغلبية الثلثين في مجلس الأمة ,وهي فكرة أشار لها النائب علي الراشد في الندوة التي أقامها في 9 ديسمبر 2009 قبل أن يتراجع عن تقديم هذا التعديل لاحقا حينما أعلن مؤخرا عن أربع تعديلات ليس من ضمنها هذا التعديل وإن كان قد قال في لقاء تلفزيوني ان هناك ثمة تعديلات اخرى تحت الدراسة .

اي ان التعديل يتعلق بالمادة رقم 66 من الدستور والتي تنص على ' يكون طلب إعادة النظر في مشروع القانون بمرسوم مسبب, فإذا أقره مجلس الأمة ثانية بموافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس صدق عليه الأمير وأصدره خلال ثلاثين يوما من إبلاغه إليه فان لم تتحقق هذه الأغلبية امتنع النظر فيه في دور الانعقاد نفسه فإذا عاد مجلس الأمة في دور انعقاد أخر إلى إقرار ذلك المشروع بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس صدق عليه الأمير وأصدره خلال ثلاثين يوما من إبلاغه إليه '

والتنقيح الذي أشار له النائب المحترم علي الراشد والذي اتوقع أن تتقدم به الحكومة نفسها يتعلق بالحد من قدرة البرلمان على اصدار أي قانون رده سمو الامير الا في حالة الحصول على موافقة ثلثي الأعضاء, وهو في رأيي تعديل يتعارض مع مبدأ فصل السلطات ومع نص الفقرة الثانية من المادة 50 من الدستور ' ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في الدستور ' ولا شك ان تقييد حق البرلمان في التشريع يعد بمثابة تنازل من سلطة عن اختصاصاتها خصوصا ان الحقوق البرلمانية الأساسية كحق التشريع لا يتصور ان تقيد بغير قيد التصويت بأغلبية الحضور من أعضاء المجلس في حالات ,وبالأغلبية الخاصة أي نصف عدد أعضاء مجلس الأمة + 1 في حالات, وبأغلبية الثلثين في حالات, أما اشتراط أغلبية الثلثين في حالة رد المرسوم فذلك أيضا يتعارض مع نص المادة السادسة من الدستور التي تنص على ' نظام الحكم في الكويت ديمقراطي, السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا '.

من الضمانات التي أنشأها الدستور الكويتي كذلك للمحافظة على الميل نحو النظام البرلماني في هذا النظام السياسي الوسط تقييد حق رئيس الدولة في حل مجلس الأمة بحيث لا يتم الحل للأسباب نفسها مرة أخرى وفقا لنص الفقرة الأولى من المادة 107 من الدستور ' للأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل,علي أنه لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخري ' , وهو تقييد غير عملي في واقع الأمر فأسباب حل مجلس الامة التي ترد في مرسوم الحل تصاغ بمفردات مختلفة وان تشابهت الأسباب كما أنه لا يوجد قانون ينظم عملية حق مجلس الأمة المنحل في الإعتراض على حل مجلس الأمة بسبب تكرر الحل للأسباب نفسها .

ولكن ونتيجة للضمانات الواسعة التي أعطيت للحكومة الكويتية بشكل لم يسبق له مثل في حكومات أخرى في دول العالم اعطيت لأعضاء مجلس الأمة حقوق في المساءلة السياسية كي لا يطلق العنان للسلطة التنفيذية , كي لا تتسيد القرار في البرلمان , وايضا لتحقيق مبدأ ان السلطة تحد من السلطة ومن تلك الحقوق :

- حق نائب واحد في استجواب رئيس الوزراء .

- حق نائب واحد في استجواب الوزراء .

- حق النواب في تشكيل لجنة تحقيق برلمانية وتوسع هذا الحق ليشمل الحق في الكشف عن سجلات الحكومة وفقا لحكم المحكمة الدستورية في قضية حق النواب في الكشف عن سجلات البنك المركز العام 1986 .

ولهذا لم يكن التوصل الى نظام وسط في الكويت بالأمر السهل ويكفي ان أعضاء المجلس التأسيسي برروا ذلك في المذكرة التفسيرية بالنص ان هذا ' الطريق الوسط بين النظام الرئاسي والبرلماني مع الميل للنظام البرلماني أتى بهدف الحرص على وحدة الوطن وإستقرار الحكم '.

فالحرص على وحدة الوطن واستقرار الحكم في مجتمع بسيط لكنه متنوع كانا سببين لاتخاذ هذا الطريق فما بالنا بمجتمع غالبيته من الشباب وفيه ما فيه من أفكار متنوعه وتيارات ومجاميع وكتل يبحث كل منها عن دور في الحياة العامة لا يمكن ان يكون متاحا في نظام رئاسي تتمحور فيه السلطات حول شخص واحد مالم يكن البرلمان أيضا مستقلا ويعمل من دون تدخل السلطة التنفيذية بأعمال فلا يكون هناك أي حق في حل المجلس كما في النظام الرئاسي البحت .

وفي الوقت نفسه لا يمكن للنظام البرلماني البحت أن يصلح في بلد كالكويت مالم يعطى أفراد الأسرة الحاكمة الحق في خوض الإنتخابات البرلمانية كي يمنحوا كمواطنين الحق في المشاركة في الحكومة المنتخبة, وهذا الأمر غير مطروح على الاطلاق بمعنى ان الأسرة الحاكمة وعلى وجه التحديد ذرية مبارك بن صباح تعتبر شريك أساسي في الحكم وهو وضع له قبول شعبي فالكويت ليس فيها معارضة للحكم بل للحكومة, وهو أمر عززه النظام البرلماني الحالي و الذي أتخذ طريقا وسطا بين النظام الرئاسي الذي لا يطبق الا في الجمهوريات والنظام البرلماني البحت الذي لا يتيح للأسر الحاكمة دورا في إدارة شؤون البلاد .

النظام الرئاسي لا يكون الا في الجمهوريات وأساسه أن يكون رئيس الدولة منتخبا بشكل مباشر من الشعب كما أن رئيس الدولة في النظام الرئاسي لا يستطيع حل مجلس الامة على الاطلاق وهذه سلطة لا يعتقد ان الأسرة الحاكمة وهي الطرف الآخر في الدستور ستقبل بالتخلي عنها .

وكي ندرك مدى مرونة أعضاء المجلس التأسيسي من المنتخبين في وضع الدستور نذكر فقط أنه تمت الموافقة على النص المتعلق بحل مجلس الأمة في أي وقت على الرغم من الأنظمة الديمقراطية البرلمانية لا يتم فيها حل البرلمان الا بعد توقيت زمني محدد أو بعد موافقة البرلمان نفسه .

ولهذا فجزء من عدم الإستقرار السياسي الذي تعانيه الكويت شعور أعضاء مجلس الأمة بأن البرلمان قد يحل في أي وقت لهذا تجدهم يركزون على ارضاء الشارع في حين أن الشعور بأن البرلمان سيستمر في مدته الدستورية أمر من شأنه جعل النواب يركزون على القوانين ذات الطابع الاصلاحي كما يحصل حاليا فشعور أعضاء الأغلبية البرلمانية المتناغمه مع الحكومة بأن المجلس لن يحل خصوصا بعد تجاوز ستة استجوابات خلال أقل من عام برلماني جعلهم يشرعون قانونا للخطة الخمسية ويبدأون بالتصويت على قانون الخصخصة الذي لم تستطع مجالس أخرى مجرد الإقتراب منه لكلفته الشعبية .

النظام الرئاسي الذي يقوم على الفصل التام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية مع استثناءات قليلة هذا النظام لا يصلح للتطبيق للكويت فالكويت إمارة وراثية في ذرية مبارك الصباح لهذا لا يمكن أن يتم إنتخاب رئيس الدولة من قبل الشعب مباشرة وذلك لأن الحكم منحصر في أسرة معينة.

وعلى الرغم من أن أمير الكويت تتم مبايعته من قبل مجلس الامة بآلية الانتخاب أي التصويت وفق الأغلبية بشكل مباشر في حال تنحية الأمير السابق كما في حالة سمو الأمير الحالي الشيخ صباح الأحمد حفظه الله ورعاه حينما بايعه مجلس الأمة بالإجماع في 29 يناير 2006 أميرا للكويت وهي مبايعة لا تتكرر الا حينما يخلو منصب ولي العهد وقيام مجلس الوزراء بممارسة اختصاصات رئيس الدولة بعد تنحية أمير الكويت الشيخ سعد العبدالله طيب الله ثراه لأسباب صحية .

أو حينما يكون وليا للعهد كما في حالة الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد طيب الله ثراه حينما بويع بالإجماع وليا للعهد في مايو 1966 ,وفي حالة سمو ولي العهد الحالي الشيخ نواف الأحمد الذي بويع وليا العهد في 20 فبراير 2006 .

الا ان هذه المبايعة رغم أنها قد ترفض إذا لم يحصل ولي العهد المزكى من قبل الأمير على أغلبية أعضاء مجلس الأمة فإن المرشحين الثلاثة الآخرين وفق المادة الرابعة من الدستور هم من أسرة الحكم وهذا التخصيص يتعارض مع أسس النظام الرئاسي.

كما أن النظام الرئاسي يقوم على أساس قدرة المجلس التشريعي على محاسبة رئيس الدولة والوزراء جنائيا وهذا أمر أيضا لا يمكن تصوره في بلد كالكويت لهذا من الواضح جدا أن النظام الرئاسي الذي يبشر به البعض لا يتناسب مع طبيعة الحكم الوراثي في الكويت لا من بعيد ولا من قريب مهما حاول البعض تهجينه بآراء دستورية غير منضبطة مع الواقع الكويتي .

كما أنه لا يتصور أحد أن يتم تحويل الكويت الى جمهورية وراثية لهذا كان جاء الآباء الأوائل ,ومن ضمنهم سمو الأمير الحالي والذي كان عضوا في المجلس التأسيسي , بتعبير دقيق حينما ذكروا في المذكرة التفسيرية للدستور أن 'الحرص على وحدة الوطن وإستقرار الحكم ' جاءا كتفسير لسبب اختيار المجلس التأسيسي للنظام الوسط بين النظامين البرلماني والرئاسي مع ميل واضح للنظام البرلماني .

يقول المثل الشعبي ' خلك على مجنونك لا يجيك اللي أجن منه '.

 

الآن: بالتزامن مع مدونة داهم القحطاني

تعليقات

اكتب تعليقك