اليعربية..دولة خليجية انقرضت يُذكرنا بها د.هشام العوضي
زاوية الكتابكتب إبريل 22, 2010, 6:01 ص 2353 مشاهدات 0
د. هشام العوضي
دول خليجية انقرضت
لماذا يموت واحد في سن مبكّرة وآخر يعمّر؟ الناس تموت في سن مبّكرة لأسباب وراثية وصحية، وهذه الأيام بسبب المخدرات وحوادث السيارات.
والآن اطرح الأسئلة نفسها على كيان الدولة، فستحصل على أجوبة لا تقل إثارة. فالدولة مثل الإنسان، تولد وتحيا، ثم تختفي. بعضها يلقى أجله في سن صغيرة، وبعضها يعمّر إلى أجل غير مسمى. فالبقاء لله، وفي هذه الدنيا للأصلح. والأصلح يختلف بحسب الجغرافيا والزمن. واقرأ تاريخ الدول لتعرف أن دولا في الماضي عمرت لأكثر من ألف سنة (الدولة الرومانية) وبادت على يد قبائل بربرية لم يتوقع أحد أن تُسقط بيتا، فضلا عن أن تسقط إمبراطورية. واقرأ لتعرف أن دولا على قيد الحياة هي من مواليد 200 سنة فقط، ولا ندري كم سنة أو عقدا أو قرنا تبقى أمامها، قبل أن تقدم لها البشرية العزاء (أطال الله في أعمار الجميع). ومثلما نؤمن بأن الناس تموت في أي لحظة، أستبعد أن دولا ستخلّد في الأرض إلى قيام الساعة! واقرأ تاريخ كيانات سياسية انولدت في الخليج، ثم مشى أجدادنا في جنازتها قبل سنوات.
هل سمعت عن الدولة اليعربية؟ ظلت هذه الدولة تحكم عُمان 100 سنة، إلى أن سقطت بسبب حرب أهلية وغزو خارجي. وسمعت بالتأكيد عن مضيق هرمز، ولكن هل سمعت عن جزيرة في مدخل الخليج امتد نفوذها إلى البحرين، ومسقط، والإحساء، وكانت تصدّر الخيول إلى الهند مقابل التوابل والحرير والعاج اسمها «مملكة هرمز»؟ انتقلت هرمز إلى رحمة الله تعالى عن عمر ناهز الـ 500 سنة، على يد البرتغاليين عندما وصلوا إلى المنطقة من «رأس الرجاء الصالح».
وحتما سمعت عن القواسم الذين يحكمون الشارقة ورأس الخيمة في الإمارات اليوم. هل تصدّق أن القواسم تمكنوا من تأسيس إمبراطورية بحرية بعد سقوط اليعاربة، وصل نفوذها إلى رأس الخيمة وجزر قشم ولنجة التابعة لإيران اليوم؟ وهل تصدّق أن القواسم امتلكوا أسطولا بحريا جاوز تعداد سفنه 800 سفينة، ما سبّب صداعا للملاحة البريطانية، فأطلقت عليهم حملة دعائية أسمتهم فيها بـ«القراصنة» وحملة عسكرية قضت على الإمبراطورية التي لم يتجاوز عمرها 150 سنة؟ ولاتزال الشواهد على ذلك قائمة في إمارة رأس الخيمة حتى اليوم.
وعلى ذكر الإمبراطوريات في الخليج، هل تعلم أن عُمان، في عهد البوسعيديين، الذين يحكمون مسقط اليوم، أسسوا إمبراطورية وصلت حدودها إلى زنجبار في شرق أفريقيا، إلا أنها بادت بعد سنوات نتيجة صراع بين أطراف النخبة الحاكمة، وتدخل بريطانيا التي قضت عليها ومشت في جنازتها؟ أو تصدق أن الدولة السعودية التي تأسست في العام 1932 هي محاولة ناجحة سبقتها محاولتان قضت الأولى نحبها عن عمر ناهز 74، والثانية عن 67 سنة؟ وأن الحِجاز كانت مملكة حكمها الشريف حسين لـ 9 سنوات، قبل أن تقضي عليها قوات عبدالعزيز بن سعود في 1925، وتضمها إلى نجد والإحساء وحائل؟
ومثلما ذكريات من عاش إنسانا، كان لهذه الدول ذكريات اجتماعية واقتصادية. وكما يرث الإنسان أبناؤه، تركت هذه الإمارات مساكن، وقلاعا، وأسوارا. فكان شعار الحجازيين بين 1916-1921 رايات حمرا، تغير إلى علم بألوان الأبيض والأخضر والأسود، وهي الألوان ذاتها التي جاءت منها أعلام العديد من الدول العربية اليوم. واشتملت نقودهم على الريال الهاشمي، والدينار الذهبي، وعليه تسمية «ملك البلاد العربية»، ومرة تالية «الناهض بالبلاد العربية».
السؤال مرة ثانية: لماذا يموت إنسان في سن مبكّرة، وآخر يعمّر؟ وبصيغة سياسية الآن: لماذا غابت دول وظلت أخرى؟ ظلت أخرى أحيانا بسبب آلية الحكم، وأحيانا بسبب شرعية الحكم، وأحيانا بسبب الدعم الخارجي لأنظمة الحكم. وظلت عموما، لأنه بعد الحرب العالمية الأولى، نشأ مفهوم الدولة القومية، وترسخت الحدود، ودخلت موازين جديدة في الحفاظ على بقاء الدولة وعضويتها في كيانات دولية وإقليمية. كل ذلك أطال من عمر الدولة، كما أطال التقدم الطبي اليوم عمر الأفراد.
المثير أن مفهوم الدولة يتعرض للاهتزاز على يد قوى العولمة، وبروز شركات متعددة الجنسيات، وعابرة للقارات، تفوق ميزانيتها ميزانية حكومات، وعدد عملائها سكان بلدان! وعلى ذكر عدد السكان، يتكلم الناس عن العوالم الافتراضية (virtual nations) مثل مواقع «فيس بوك» و«يوتيوب»، التي يفوق عدد «مواطنيها» عدد سكان أستراليا أو كندا أو الولايات المتحدة. ولهذه المواقع الإلكترونية شعارات وطقوس و«ذكريات جماعية» بين أعضائها، كما كان للحجازيين والقواسم واليعاربة راياتهم، وحصونهم، وسفنهم. إن التاريخ لا يكرر نفسه، ولكن النماذج والأنماط التاريخية هي التي تفعل. والشاطر هو من يفهم سر خلطة البقاء، ويطوّر أنموذج الدولة المعمِّرة.
تعليقات