ديمقراطيتنا أصبحت رهينة بيد بعض أعضاء مجلس الأمة ممن يعيشون أجواء مراهقتهم السياسية البعيدة عن الرشد والنضج..مقطع من مقالة عبدالحميد الصراف
زاوية الكتابكتب إبريل 16, 2010, 11:39 م 1472 مشاهدات 0
عبدالحميد الصراف
المزيد المراهقون في السياسة
اطلعت على بعض الصحف المحلية في اليوم الذي تلى جلسة مجلس الأمة..(تاريخ 31 مارس الماضي). وبحسب ما نشرته هذه الصحف من وقائع لتلك الجلسة، شعرت بخيبة الأمل من مؤسستنا التشريعية التي كان من المفترض أن تدرج على جدول أعمالها استكمال مناقشة الخطاب الأميري، إذ تتحول فجأة إلى معركة كلامية هبطت فيها لغة التفاهم والعقلانية عند بعض أعضاء البرلمان حتى وصلت أدنى المستويات.
ولا يشرفنا في هذا الإطار تمثيل الكثير من هؤلاء. فنحن براء من تمثيل هذا الكثير وسلوكياته وتصرفاته التي خرجت عن قواعد وأصول القيم والمثل واللياقات التي تربى عليها الشعب الكويتي. كيف لنا كمواطنين مثلا، أن نقبل هذا الإسفاف في المفردات والعبارات السوقية؟.. أليس هناك من رادع أو ضمير حي يوقف مثل هذه الرعونات؟
إننا حقا أمام أزمة أخلاقية عميقة تستلزم تطهير المؤسسة التشريعية من السلوكيات المنحرفة الصادرة عن بعض أعضائها، بل وربما طردهم بفعل مجاهرتهم وتماديهم باستخدام الألفاظ الهابطة الجارحة من دون حسيب أو رقيب. ولا يمكن السكوت عن تجاوزاتهم اللاأخلاقية.. وهؤلاء مع الأسف خولهم الدستور (وهو منهم ولا شك براء) شرف تمثيل الأمة ونحن لا يشرفنا إسفافهم وقلة أدبهم.
أضحكتني صورة منشورة في إحدى الصحف المحلية لنائبين في ذروة غضبهما، وكاد يصل بهما الحال حد الاشتباك، ولكن بطبيعة الحال لن يحدث أي اشتباك.. كل ما في الأمر أنهما مارسا فن التمثيل الذي اعتادا عليه، فلا نعجب من ذلك ولا نملك خيارا يجيز لنا إقصاءهما حتى موعد الانتخابات البرلمانية القادمة.
إننا نلوم أنفسنا، فهذا من صنع أيدينا نحن الذين انتخبناهم وخلقنا منهم أبطالا بلا بطولة، فاختلقوا لأنفسهم معارك وهمية ضاعت فيها حقوق المواطنين، وتعطلت شرعة العمل النيابي، وتوقفت عجلة الديمقراطية والتنمية السياسية، وبات المتابعون لنا من الخارج ينظرون إلى ديمقراطيتنا بسلبية، ونحن أيضا ننظر إليها بخجل وحسرة. لقد أصبحت السلوكيات الأخلاقية السلبية لبعض أعضاء السلطة التشريعية عقبة فعلا أمام تطوير العمل البرلماني، ولطخات أخلاقية منفرة شوهت معالم الديمقراطية وتاريخها المشرق.. ومن غير المعقول أن تترسخ وتستمر ثقافة السب والشتم والشخصانية التي أضرت بهيبة البرلمان، وجعلت منه سوقا رائجة للانحدار الخلقي الذي لم تتعود عليه مجالس الأمة السابقة منذ أكثر من ثلاثين عاما، حيث كان الأعضاء السابقون يختلفون، ولكن تبقى لغتهم راقية، وألسنتهم نظيفة واختلافاتهم ما كان يشوبها البتة أي انحطاط أخلاقي، سواء على مستوى التصريح أم التلميح. لم يصلوا إلى مستوى تصفية الحسابات الشخصية وخلق المؤامرات وعمليات الابتزاز والمكائد والأجندات الخاصة التي لم يسلم منها حتى الأعضاء أنفسهم.
وبسبب من نوابنا هؤلاء، تعكرت أجواء ديمقراطيتنا وتحولت إلى نشاز دفعت الخيرين والمخلصين لعدم الترشح لانتخابات الندوة البرلمانية. ونحن بحاجة إلى برلمان حر وديمقراطية سليمة غير مخطتفة يزايد عليها المزايدون ممن يجيدون فنون الكذب والمراوغة والثراء غير المشروع.. أولئك متطفلون على مكتسبات الشعب الكويتي وديمقراطيته الرائدة، التي باتت تحتاج إلى تنقية سلوكيات هذا العمل البرلماني ووضع حد للمتجاوزين من أعضاء البرلمان.. والاستفادة في هذا المجال من تجارب البرلمانات العريقة التي تجاوزت السلوكيات المنحرفة بضوابط قانونية متفق عليها.
في الختام لا يسعنا إلا القول بأن ديمقراطيتنا أصبحت رهينة بيد بعض أعضاء مجلس الأمة ممن يعيشون أجواء مراهقتهم السياسية البعيدة كل البعد عن الرشد والنضج.. وهؤلاء مكانهم خارج قاعة البرلمان، كونهم لا يفقهون شيئا من ثقافة الديمقراطية وممارساتها.. وكل ما عندهم هو الفوضى والبحث عن أي قضية يتكسبون منها من أجل التغطية على أدائهم الفاشل.
وهؤلاء ليس لهم أي دور تشريعي رصين يعوّل عليه، أو يؤخذ به. إنهم يشكلون أزمة حقيقية قتلت كل معاني العمل البرلماني، وهم من دون مبالغة يشكلون وصمة عار على تاريخ الديمقراطية عندنا. فالديمقراطية الحقيقية قائمة على الحوار واحترام الرأي الآخر، بحلوه ومره.. ولكن متى يستوعب المراهق السياسي مستوى ممارساته، كي ينعكس ذلك بدوره لاحقا على تحسين مخرجات العمل البرلماني وتجويدها؟
تعليقات