د.عبالحميد الصراف يبدى ارتياحه لأن مشروع المتشددين والمتطرفين لم ينجح في تحويل البلد إلى دولة دينية

زاوية الكتاب

كتب 793 مشاهدات 0





د. عبدالحميد الصراف  | المزيد لا نريد وصايتكمثمة حقيقة ثابتة لا تقبل الجدال في الكويت، وهي أن دولتنا هي دولة مدنية، لها دستورها الموضوع في العام 1962، والذي كان من أولويات واهتمام المجلس التأسيسي المنتخب بعد استقلال الكويت العام 1961. وهذا الدستور تم جمعه من دساتير عالمية متنوعة، تم انتقاء الأفضل بين ما هو موجود فيها، وبحسب ما يناسب بيئتنا الاجتماعية والدينية والثقافية. ولم يغفل هذا الدستور أهمية الشريعة الإسلامية، حيث جعلها مصدرا رئيسا من مصادر التشريع، في حين أن مجتمعنا الكويتي أساسا مفطور على الخلق الإسلامي القويم وتعاليمه الرفيعة، البعيدة كل البعد عن التشدد والتطرف المنبوذ. وخلال فترة وضع الدستور، وتأسيس الدولة الحديثة، لم يحتج رجال الدين على المادة الثانية من الدستور باتجاه تعديلها.. فكل الأمور بالنسبة إليهم كانت تسير على ما يرام، حتى انبرت لنا في بداية السبعينيات بعض التيارات الدينية تطالب بتعديل المادة الثانية للدستور على أساس أن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، وقد ارتفعت وتيرة هذه المطالبة بعد حل مجلس الأمة العام 1976.

استثمر المطالبون بتعديل المادة الثانية من الدستور رغبة الحكومة بتنقيح الدستور العام 1980، فشكلت الحكومة فريقا ليقوم بهذه المهمة. ومن هذه الفترة الزمنية ترسخت فكرة تعديل المادة الثانية للدستور لدى تلك التيارات السياسية الإسلاموية، وأصبح الحديث عنها ملازما لأي تعديل تنوي الحكومة القيام به، ولكن لا علاقة له بالتعديل الذي تريده تلك التيارات. وفي نهاية المطاف فشلت التيارات الإسلاموية في تحقيق هدفها، فقامت بمطالبة أخرى بشكل مباشر وغير مباشر، تتمثل بإنشاء هيئة عامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وهذه أيضا لم تتحقق مراماتها، حيث جوبهت برفض وسخط من المجتمع الكويتي.

إذن، يريد هؤلاء المتشددون تحويل الدولة المدنية إلى دولة دينية، على اعتبار أن القوانين الوضعية لا تحقق العدالة، وحكم الله في الأرض، في حين أنهم يتسابقون لخوض الانتخابات البرلمانية على طريقة ونهج الدولة المدنية، وليس الدينية. وفي هذا الإطار تراهم يدافعون عن هذا السلوك بمبررات لدفع الاتهامات عنهم. ومن هذه المبررات، أنهم يهدفون من وراء الدخول في المعترك السياسي أسلمة القوانين، وتطبيق شرع الله وسنته..

وأخيرا قبلوا بما هو أدنى من طموحاتهم بإنشاء لجنة للظواهر السلبية تقوم بمحاربة الفساد والانحلال الخلقي، تمهيدا لتطبيق مشروعهم المتعلق بإنشاء هيئة عامة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالتالي فرض الأمر الواقع على المجتمع الكويتي، وتعويض ما عجزوا عنه من تعديل المادة الثانية من الدستور.

المجتمع الكويتي بطبيعته وفطرته مسلم، وله عادات وتقاليد اجتماعية، وأعراف ليست ببعيدة عن تعاليم الإسلام، ولكنه يرفض من يريد فرض وصايته عليه، أو التحكم بمساره الذي ارتضاه لنفسه بإرادته، فهو المسؤول عن نفسه وأسرته تحت مظلة الدولة والقانون، ولا يقبل من أي فئة أو جماعة بتسييس الدين حسب أهوائها دون أي اعتبار لمتطلبات العصر، وتجاهل الدين الإسلامي بأنه دين عصري صالح لكل زمان ومكان.. ولا يقف بالتالي عند حدود عقلية جامدة ومتحجرة، تهورها يسبق عقلها، وعصبيتها تتفوق على حلمها. العنف والقوة سبيلها لتحقيق الهدف، وليس الحكمة والموعظة الحسنة. فالمواطن لا يرى أهمية بوجود لجنة للظواهر السلبية، أو غيرها تحت أي مسمى. فهو يعتقد تماما بوجود قانون يردع كل من يخرج عن السلوك الأخلاقي السليم، أو من يريد الإضرار بالقيم والمثل الأخلاقية العليا بسلوك مشين.

هناك مؤسسات دينية وتربوية تقوم بدورها تحت رعاية الدولة، ولسنا بحاجة إلى مبادرات فردية لا تخضع لقانون الدولة ورعايتها.. وكم من تجارب مريرة دمرت شعوبا بأسرها بفعل تسلط فئات وجماعات متطرفة، ساقها فكرها المتشدد إلى تحويل حياة الأفراد والشعوب إلى دمار وجحيم. وأصدق مثال على ذلك حكم طالبان في أفغانستان الذي نشر الفساد والجهل والمخدرات والفقر المدقع وقتل آمال الشعب الأفغاني في الحياة والتعليم والتنوير، وجعلهم يعيشون حياة البؤس والحروب.

الكويت دولة مدنية دينها الإسلام يسودها الأمن والأمان، ودستورها كفل لكل من يعيش على أرضها الحقوق والحريات.. ونحمد الله على ذلك، وأن مشروع المتشددين والمتطرفين لم ينجح في تحويل البلد إلى دولة دينية تقوم على نهج طالبان، وتصادر حقوق وحريات المواطنين. ونسأل الله أن يزرع في ذواتنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والهداية بإذن الله عز وجل، ويبعد عنا هيئتهم التي يزعمون في تطبيقها على العباد، والتي لا يحمد عقباها.

الدين الاسلامي خير رفيق للمسلم، يفرض تلقائيته على النفس والقلب، فهو سمح يقبله العقل والقلب.. ودعوة هذا الدين الإسلامي للبشر، تتطلب الحكمة والموعظة الحسنة.. هكذا تعلمنا من القرآن الكريم ورسولنا العظيم -صلى الله عليه وسلم- الذي خاطبه الله في كتابه العزيز «وإنك لعلى خلق عظيم». فعلى وعاظ الدين الإسلامي أن يتسموا بمكارم الأخلاق أسوة بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ويستخدموا عقولهم في هداية الناس على نهج الإسلام المعتدل، ويكونوا قدوة لهم في العبادة والسلوك.

باختصار، لا نريد لهؤلاء الأوصياء الجدد على الإسلام أن يفرضوا علينا أفكارهم وتشددهم وهذيانهم.. وكفانا شرورا منهم حتى الآن، وخديعة للدين والعباد.. فإسلامنا ليس فيه كهنوت.. فلماذا يريدون إيجاد كهنوت فيه؟

أوان

تعليقات

اكتب تعليقك