غيوم الأزمات في الخليج:
عربي و دوليحلم قوة الانتشار الخليجية والجيش الخليجي الموحد
مارس 24, 2010, منتصف الليل 2394 مشاهدات 0
يحتاج شرف غاية حفظ أمن الخليج إلى وضوح الرؤية للواقع العسكري الخليجي، ومن ينكر أن دول الخليج قد دخلت في سباق تسلح ومراكمة التكنولوجيا العسكرية كمن ينكر الشمس في رابعة النهار، فقد أصبح الخليج العربي منذ مطلع العقد الأول من القرن الحالي أحد أكثر المناطق تسلحاً في العالم وأكثرها جرياً في طلب ما تنتجه مصانع السلاح.
من جانب آخر اتسم التعاون العسكري بين دول المجلس بالعمل الرتيب والحذر في بناء وتطوير القوة العسكرية الدفاعية لدول المجلس. وكان أهم الإنجازات خلال عمر المجلس إنشاء قوة درع الجزيرة، ثم اتفاقية الدفاع المشترك؛ سعياً لتحقيق مبدأ الأمن الجماعي. ثم تواردت الأخبار عن نقل أو تفكيك أو تطوير قوة درع الجزيرة دون أن يكون هناك خطاب واضح في هذا الشأن، لتستقر الأوضاع على خبر بقاء هيكل قيادة قوة درع الجزيرة في مدينة الملك خالد العسكرية وتأكيد عودة وحدات المناورة العسكرية إلى بلدانها، وهو إجراء غير متنازع عليه من وجهة نظر مرحلية.
وفي 18 مارس 2010م أعلن أمين مجلس التعاون عبدالرحمن العطية أنه سيقدم تقريراً شاملاً عن تشكيل قوة الانتشار السريع للقمة التشاورية لقادة دول المجلس التي ستعقد بالرياض في 11 من مايو المقبل. بعد أن بحثت اللجنة العسكرية الخليجية العليا المكونة من رؤساء أركان الجيوش الخليجية كل التفاصيل المتعلقة بإنشاء هذه القوة، موضحاً أن العمل يجري بشأنها بشكل سريع.
لقد وجدنا بارقة أمل في إنشاء قوة الانتشار السريع الخليجية، عندما اتفق قادة دول مجلس التعاون الخليجي في القمة الـ30 للمجلس في الكويت (14-15 ديسمبر2010م) على إنشاء القوة بناء على مقترح تقدمت به مملكة البحرين الشقيقة. فالقوة من مسماها قفزة نوعية واعية لاستيعاب أن الأمن بشقه العسكري لا يتحقق بتكديس السلاح، بل بتطوير وحدات المناورة، وهيكلها لتتناسب مع نوع التهديد. وقد صرح الأمين العام المساعد لمجلس التعاون الخليجي للشؤون العسكرية اللواء الركن خليفة الكعبي في 3 يناير 2010م، بأن قوة الانتشار السريع قد دخلت حيز التنفيذ، وتم اختيار مدينة الملك خالد العسكرية بحفر الباطن شمال السعودية، مقراً لها.
لكن استقرار الرأي على أن تكون قوة الانتشار السريع من قوات المشاة قصور في استيعاب البيئة الأمنية الإقليمية المعاصرة، ويطرح تساؤلات حادة لعل منها ازدواجية عمل قوة الانتشار السريع مع قوة درع الجزيرة التي نقول دون تردد إنها كانت قوات رمزية، تم إنشاؤها في مرحلة الرمزية من التعاون العسكري بين دول المجلس، وقد استنفدت أغراضها مع تغير البيئة الأمنية وتغير العدو المفترض على خارطة مراكز العمليات في دول المجلس، وتحوله من تهديد بري من الشمال إلى تهديد بحري من الشرق، وخطر داهم مثقل بالصواريخ البالستية، وأسلحة الدمار الشامل، مما يحتم حسن التدبر في كيفية ومستوى استجابتنا له.
لقد نفى أكثر من مسؤول في مجلس التعاون أن يكون لتهديد المتسللين الحوثيين لحدود المملكة العربية السعودية الشقيقة دور في تشكيل هذه القوة، وفي ذلك تجاوز لديباجة نص إنشاء هذه القوة ومن يطعن بصحة هذه الخلاصة فله أن ينظر مليّاً في بيان قيامها الذي أقر أنه إجراء للحفاظ على سيادة وسلامة أراضي دول المجلس وصيانة حدودها وردع المتسللين، فأدخلها في نطاق الرمزية التي أدت لقيام قوة درع الجزيرة عند اقتراب خطر شرار الحرب العراقية الإيرانية من الثوب الخليجي، وألغى دورا حيويا لقوة الانتشار كان بإمكانها القيام به لو قام تهديد مماثل.
إن عودة غيوم الأزمة بين جمهورية إيران الإسلامية والغرب، والجدل القائم حول نشر الدرع الصاروخية الأميركية في سماء الخليج يتطلب إعادة النظر في تشكيل قوة الانتشار السريع حتى تحقق الهدف المنشود من قيامها. فلو تطورت الأزمة الراهنة إلى صراع مسلح لرافقها أنشطة لطرفي الصراع تدخل فيما يسمى بالحرب اللامتماثلة (Asymmetric Warfare). ولأن مفهوم القوّة آخذ في الابتعاد عن مفهوم قدرة القوات المسلحة التقليدية، ولكوننا وسط هذا الصراع فنحن عرضة لهجمات من مجموعات ليست لدولها صلة بالحرب، متوافر لها كم هائل من المعلومات عن مقدرات دول الخليج وبنيتها الأساسية، وقادرة على شن هجمات على نقاط منتقاة بدقة بطرق خارج محاور الحرب المألوفة، وسوف نصاب بعجز في التعامل مع المأزق البنيوي لهذه المجموعات.
ولو شئنا أن نختزل ما سبق وصولاً إلى نهاية الكلام، لقلنا إن تحويل قوة الانتشار السريع الخليجية إلى قوات صفوة وعمليات خاصة على مستوى لواء، قادرة على استخدام استراتيجية مقاومة مرنة ومناسبة لمسرح المواجهة لتحييد المزايا العملياتية لمصادر الخطر اللامتماثلة، هو خير رسالة تبعثها دول مجلس التعاون قبل أن تضربنا العاصفة التي تلوح في الأفق.
تعليقات