فيصل الزامل يكتب عن اختطاف القبيلة والطائفة لمصالح شخصية
زاوية الكتابكتب سبتمبر 27, 2007, 1:52 ص 650 مشاهدات 0
المشكلة في القبلية ليست في رعاية الوشائج التي تجمع كل فئة، بقدر ما هي فتح الباب للأهواء والمصالح، فينمو سوق انتهاز الفرص وينتمي الى هذه القبيلة وتلك، الطامحون من كل صوب، واذا لم يكن ذلك عن طريق ادعاء النسب فليكن بأي طريقة أخرى تجند نداء القبلية لقضاء المصالح المشروعة وغير المشروعة، لا فرق، والشيء نفسه تجده في الرابط الطائفي الذي استقطب الطامحين فتحولوا فجأة من مستهزئين بالطائفة الى مستنفعين منها بمجرد وضع علامات على اليد وغير ذلك مما يلين القلوب ويفتح الجيوب، وسبق لنا أن تحدثنا عن سهولة اختراق الجماعات الاسلامية في فلسطين وبلاد عربية كثيرة، لتحقيق منافع مادية او سياسية، وليست الكويت استثناء من مهارات الاختراق هذه.
هناك فرق بين القبلية كإطار للتواصل الاجتماعي والبر، الذي قال عنه عمر بن الخطاب ( رضى الله عنه ) «تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم» وبين الانتهازية و«انصر أخاك ظالما أو مظلوما» بغير تكملة الحديث النبوي الشريف!
وكذلك هناك فرق بين الطائفية والمذهبية، فالثانية تعني المعتقدات الدينية والمجهود العلمي الذي يرعاه أهل العلم، وأما الطائفية فهي اطار سري لقضاء المصالح لا يلبث أن يتسلل اليه الطامحون، ويختطفون المبادرة من يد قياداته الحقيقية، ومع مرور الوقت يشعر الدعاة بالغربة بعد أن تم اقصاؤهم بسبب تساهلهم في الخلط بين المذهبية والطائفية.
الشيء نفسه يحدث مع القبلية التي بدأت تخرج شيئا فشيئا من أيدي الكبار الى ممرات المصالح الشخصية، وتحقيق الثراء على ظهر القبيلة، ومع الوقت يكتفي أثرياء الحرب، عفوا القبلية، بتوزيع الصدقات على بعض أفراد قبيلة مسكينة أفادتهم في مرحلة انتقالية من حياتهم.
ان المسؤولية تقع على الدولة التي رضيت بتشجيع هذا المسار، عبر نظرية المحاصصة الفاشلة، فاتجه الانتهازيون الى تلك الانتماءات وخربوا وشائج القرابة وصلة المذهب، تلك المحاصصة التي فتحت الشهية لأقصى اتساع تحتمله الشهوات البشرية، وهي بلا حدود، وقد اكتشفت الدولة متأخرة أنها كانت أسيرة وهم كبير حيث لم يتحقق من ورائه أي تأثير ايجابي لتلك المحاصصة على واقعها السياسي.
ان تعزيز مفهوم الدولة هو السور الذي يدفع الأذى عن بيوتنا جميعا، وقد رأيت صورة نشرت في جريدة لبنانية بأحد شوارع بيروت، لأحد جنود الجيش اللبناني أضاءت له اشارة المرور الخضراء فمشي ليعبر الشارع، عندئذ وقف عدد من المارة ونزلوا من سياراتهم، وأدوا التحية للجندي، رجالا ونساء تجاوبا مع نداء أطلقه أحدهم بصوت عال «يا جماعة، انزلوا أدوا التحية للدولة» فنزلت امرأة هنا وتوقف شاب هناك والتفتت سيدة مسنة وأدى الجميع له «تحية احترام» موجهة للدولة، وتحمل معها مليون معنى.
الكويت ليست هي الدولة العربية الوحيدة التي تضم قبائل ومذاهب متعددة، الأردن مثلا فيها قبائل، ولكن التشكيل الوزاري فيها لا يتم على اساس المحاصصة، رغم العلاقة الوثيقة والتاريخية بين النظام والقبائل التي تحظى هناك بعناية الدولة لتحسين أوضاع مناطقها وزيادة المنشآت التعليمية والصحية، بل احترام أعرافها في حال حدوث مشاكل بينها قابلة للحل بالصلح وفقــا لتـلك الأعراف، الا أن ذلك لا يتم على حساب مفهوم الدولة، وبالعكس في العراق حيث تم ترسيخ مفهوم المحاصصة ومن قبله لبنان، ومعهما الكويت «ضايعة في زحمة طريق المحاصصة» ولا ندري متى نصل الى ما وصل اليه اللبنانيون، يوم أن نزلوا من سياراتهم، وأدوا التحية للدولة التي غابت ذات يوم، وها هم يتمنون بشوق عارم أن تعود حية وقوية من جديد.
تعليقات