مترنيخ ومثلث الثقل العربي التقليدي

عربي و دولي

4560 مشاهدات 0



بعد ن أرهق نابليون بونابرتNapoleon Bonaparte أوربا بمغامراته التي ادت في النهاية الى هزيمته، قرر مستشار النمسا مترنيخ  Metternich  إعاد بناء خارطة أوروبا السياسية، وقد نجح ذلك الدبلوماسي العبقري عبر مؤتمر فيينا الذي استمر لمدة عام كامل منذ يونيو 1814م في بناء التوازنات السياسية balance of power التي حفظت السلم الاوروبي لمائة عام من خلال الحلف الثلاثي المقدس بين روسيا والنمسا وبروسيا  .
وفي الاسبوع الماضي بدأ وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل  مباحثات عالية المستوى في الجمهورية العربية السورية وجمهورية مصر العربية لاحياء مثلث الثقل العربي التقليدي.ورغم صعوبة الملفات المراد فتحها في لبنان والعراق واليمن وفلسطين إلا أن عودة تلامس اضلاع المثلث من جديد هو انجاز كبير .بل إن اقتراب سوريا من سلوك طريقها القديم الى جانب مصر والسعودية هو رسالة لطهران في المقام الاول .ولان عرب المرحلة الراهن تقول لا سلام بدون سوريا ولا حرب بدون مصر فيما يخص التحدي الصهيوني ، فمن حقنا في الخليج أن ننظر لهذا المثلث العائد للتشكل بعد طول غياب لنقول: لا موازنة للتحدي الايراني لأمن الخليج العربي إلا بمشروع عربي مواز .
لقد تعلمنا ' قبل ان تتكلم في العلاقات الدولية أنظر الى الخريطة' ومن ذلك نجزم إن الطرف المتضرر في ميزان القوة بحصول جمهورية ايران الاسلامية  على السلاح النووي  هي دول الخليج العربي ثم الدول العربية ثم الشرق الاوسط ، ولعل اصدق دليل  على تلك التراتبية هو الصمت المطبق من الدول المجاورة  لايران مثل تركمانستان و أرمينيا و أذربيجان و تركيا  وافغانستان أو حتى باكستان النووية، لأننا في الخليج مجال ايران الحيوي كما يرى صانع القرار الايراني .
وليس هناك بين دول مثلث الثقل العربي غير مصر لترجيح  كفة القوة الصلبةhard power   مع ايران من خلال مشروع نووي، والخلط بين المشروع النووي السلمي والعسكري هو جزء من عملية الردع النووي التي تمارسها جميع دول العالم التي حظيت بشرف الدخول الى النادي النووي. ومصر هي  خير من المظلة النووية الغربية التي يجري التسويق لها بحذر. فبعيد عن الشعارات القومية تشهد خرائط المنطقة أن مصر كانت هي العلاج الكيماوي- بكل أثاره الجانبية -والذي منع انتشار الخلايا الصهيونية من منطقة الإصابة الأولية في فلسطين إلى أنحاء أخرى من الجسم العربي. وطبقا لهيكل، فقد  كانت المسافة بين المشروع النووي الإسرائيلي وبين المشروع النووي المصري ثمانية عشر شهراً في عام 1966م. ثم تضاعفت المسافة بتضاعف العراقيل . ولعل آخر الحجج الهزيلة في تلك العراقيل هو بيع أرض المشروع النووي المصري المسماه(الضبعة) لمشروع سياحي. و التوقف الحالي  في المشروع النووي المصري مرده اسباب مالية، وذلك ما نملك الكثير منه في الخليج ،بل ونستطيع توفير الدعم السياسي للمشروع في المحافل الدولية أيضا.
من جانب آخر تملك سوريا حرية الحركة في المنطقة الرمادية بين الدول العربية والجارة العزيزة جمهورية ايران الاسلامية،فهناك  تحالف إستراتيجي بينهما ،و جبهة واحدة لمنع الاختراق الأميركي والإسرائيلي للمنطقة،كما أن هناك تلاق  للامتدادات السورية والامتدادات الايرانية في لبنان، وهذا الضلع من مثلث التحالف هو القوة الناعمة Soft power، ونافذة التواصل المرن مع ايران .
أما الشقيقة المملكة العربيةالسعودية فقد اصبحت قوة أقليمية بفعل الصراعات العربية الاسرائيلية منذ العقدين السادس والسابع من القرن العشرين ، ولم تكن يوما إلا جزء من هموم الامة العربية ، ولعبت دور الاخ الحكيم في محاولة اصلاح ذات البين بين الدول العربية المتنازعة. ومن جانب آخر تشكل منطقة الخليج العربي المحور الرئيسي لسياستها الخارجية لكونها مركز الثقل لمجلس التعاون، كما ان ثقلها قد جعلها الحليف الأكثر أهمية للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.وهي بما تملكة من مقومات تشكل ورقة ضغط في وجه المغامرات الايرانية ، وطهران تعي ذلك منذ عقيدة الدعامتين عام 1968م والتي جعلتهما متساويتين  في ميزان القوة الاقليمية .
تشكل المثلث العربي متساوي الاضلاع حاد الزوايا والمكون من مصروالسعودية وسوريا ليس لاحتواء ايران فالملفات الملقاة امامه اشد الحاحا من التحدي الايراني،لكنه أداة رسم وقياس سيساعد في  بناء التوازنات السياسية balance of power في خريطة المنطقة . ولايبقى ألا البحث عن الامير مترنيخ  Prince Klemens Wenzel  von Metternich  .

د.ظافر محمد العجمي – المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك