يعقد مقارنة بين ماضى الكويت وحاضرها.. د.عبدالله الشايجي يأسف لأننا بعد أن كنا الأفضل خليجيا تراجعنا وفقدنا بريقنا وتألقنا
زاوية الكتابكتب ديسمبر 6, 2009, منتصف الليل 982 مشاهدات 0
المزيد تراجع القوة الناعمة الكويتية!الكويتيون الذين عُرفوا بالتماسك والتفاني، وعانوا شظف العيش وصعوبته، وتمرسوا في مهن شاقة، وكابدوا الصعوبات، وأسسوا نظاماً ننظر إليه نحن في الكويت اليوم بفخر وعزة، وحولوا الكويت إلى أيقونة المنطقة، ولؤلؤة الخليج، في مجال النظام السياسي تطبيقاً لمبدأي الشورى والإجماع بين الحاكم والرعية.. وطوروا ذلك إلى نظام مؤسساتي بمجلس شورى ومجلس تشريعي ومجالس منتخبة ودستور مكتوب من العشرينيات إلى خمسينيات القرن الماضي، ونظام دولة دستورية بنظام فصل السلطات وتعاونها وانتخابات لمجالس أمة منتخبة وصندوق لدعم اقتصادات الدول العربية والإسلامية وغيرها، والإسهام في تنميتها ومساعدة تلك الدول في بناء بنيتها التحتية، أرست لقواعد وأنظمة جعلت من الكويت الدولة السباقة، والمثال الذي يُحتذى على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والتنموية. وافتتاح أول جامعة في المنطقة، والتميز والتفوق الكويتي في مجالات السياسة والاقتصاد والاستثمارات وصناديق الثروة السيادية،
وكذلك في مجالات الفنون والمسرح والرياضة والثقافة والإعلام، بوجود أول تلفزيون وإذاعة ومجلة «العربي» وسلسة «عالم المعرفة»، كما وجد سفراء للكويت في العالم العربي، وحول العالم، حتى قبل استقلال الكويت، وافتتاح سفاراتها. وبذلك نجحت الكويت مبكراً في أن تتحول إلى أنموذج ومثال يُحتذى، وأنموذج ملهم ومحفز في سنوات قليلة، احتاجت دول أخرى إلى سنوات طويلة لتحقيقها. وهذا ما يُعرف بعلم السياسة الحديثة تمتع الدولة بـ«القوة الناعمة» Soft Power، كما يعرفها عالم الدراسات الدولية جوزف ناي في جامعة هارفرد بقوة المثال والأنموذج الذي يود الآخرون تكراره ووجوده كأنموذج لديهم بسبب النجاح والاقتناع بجدواه.
لكن خلال العقد الماضي بالتحديد، يبدو أن الكويت فقدت البوصلة، وتعثر ذلك الأنموذج الملهم والمحفز في شتى المجالات، وتراجعت الكويت من الأنموذج القدوة والرائد والمميز، وترك لنا وللآخرين التساؤل بإحباط يصل إلى مرحلة التشكيك بجدوى ذلك الأنموذج، الذي لم يعد رائداً ولا محفِزاً.
وفي الوقت الذي كان الطلبة العرب والخليجيون في أميركا أثناء الدراسة هناك يتابعون ويُعجبون بأنموذجنا وحرياتنا وديمقراطيتنا، وانتخابات مجلس الأمة التي كان يتابعها، وحتى يحضر بعض المثقفين الخليجيين ليعيشوا أجواءها وحرارة الحملات الانتخابية. وكذلك نتابع ويتابعون معنا بإعجاب، أو بانزعاج أحياناً، انتصاراتنا الكروية في كأس الخليج (الكويت فازت 9 مرات بكأس الخليج، أكثر من أي دولة أخرى) والوصول إلى تصفيات كأس العالم في مدريد العام 1982، والفوز بكأس آسيا الذي استضافته الكويت العام 1980.
ولكن ذلك السجل الحافل بالإنجازات والتميز في شتى المجالات، بدأ يترهل ويتراجع ويفقد بريقه وتألقه لدينا في الكويت، قبل أن يتراجع كأنموذج في عقلية جيراننا وأشقائنا في دول مجلس التعاون الخليجية، فتعثرت التجربة البرلمانية، وغرقنا في مشاحنات داخلية، وتراجعنا في مجالات كنا قادة وروادا فيها، في مجالات الاقتصاد والاستثمار والفن، وحتى الرياضة التي تهددنا الـ «فيفا» بوقف مشاركات الكويت الرياضية.
وهناك تراجع الكويت في محاربة الرقابة والشفافية. ويُضاف إلى ذلك كله تراجع إنتاج وعطاء الطالب والموظف الكويتي. الذي قل إنتاجه وعطاؤه. وتجرأ الكثيرون على خرق القانون، واستشرى الفساد الذي «ما تشيله البعارين»، وتراجعنا في تلك المجالات والحريات على الرغم من التطور وزيادة عدد الصحف ووسائل الإعلام وتنوعها.
واللافت أن الظواهر السلبية تلك التي استفحلت، ولا أعني فيها لجنة الظواهر السلبية في مجلس الأمة التي أثارت الكثير من الجدل والنقاش، ولكن الظواهر غير المستساغة التي تطبعنا بها، تزداد سلبية وتتمدد لتشمل مجالات جديدة.
ويتمثل ذلك في زيادة الاحتقان السياسي، والمواجهات المحتدمة، والتي تتكاثر وتتناسل، والمتمثلة بالاستجوابات بسبب تجاوزات وتقصير واستهداف وتسييس. والتي باتت تشككنا في الكويت بجدوى الأنموذج الديمقراطي، ومردود وفوائد المسألة والمشاركة السياسية التي تحولت لأنموذج مشلول وعاجز ومتجمد، لا بل طارد.
القوة الناعمة الكويتية تراجعت، ولا يبدو أنها ستستعيد زخمها وبريقها ما لم يتم التعامل مع تلك الظواهر السلبية بجدية وتصميم بأبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.. وإلا فسنبقى نردد ما بات اليوم كليشيهاً بات يتردد في دولنا الخليجية «الكويت الماضي- دبي الحاضر- وقطر المستقبل، ونحن نتحضر في الكويت لسلسلة استجوابات على رأسها استجواب سمو رئيس الوزراء ووزراء آخرين يرتفع عددهم في بورصة الاستجوابات، في هذه الفترة التي تستعد فيها الكويت لاحتضان القمة الخليجية الثلاثين لدول مجلس التعاون الخليجي.
د. عبدالله الشايجي
تعليقات