عبداللطيف سعود الصقر يدعو إلى استراتيجية اجتماعية لتعزيز الديمقراطية
زاوية الكتابكتب سبتمبر 16, 2007, 6:10 ص 514 مشاهدات 0
نحو ستراتيجية اجتماعية لتعزيز الديمقراطية
لا ديمقراطية ممكنة في اي مجتمع من دون صراع جماعي ومستمر ضد الأفكار والتوازنات
والقوى والظروف التي تحول دون بناء نظام المساواة القانونية والعدالة والحرية
السياسية, ولا مستقبل لاي صراع من دون تحليه بستراتيجية ناجعة وفعالة تحدد الأهداف
وتعبئ القوى ذات المصلحة بالديمقراطية وتبني الوعي وتشحذ الارادة, وبالمقابل يؤدي
ضعف الروح التنظيمية في المجتمع إلى تفتت القوى السياسية وغياب التكتلات أو التكتل
السياسي, والى ضعف الحركات السياسية وانطوائها على نفسها وسيطرة الروح الفردية على
قيادتها وهيمنة الخلافات والحساسيات الشخصية على سلوكها, وبالتالي إلى عدم قدرتها
على بلورة ستراتيجيات عامه تستهدف التغيير, لا اكتساب مواقع جزئية, والقسم الأكبر
من التنظيمات السياسية القائمة لا تطمح ولا يمكن أن تطمح إلى أكثر من الحفاظ على
بقائها .
يحتاج وضع ستراتيجية عملية تبين حجم وطبيعة القوى والفئات ذات المصلحة بالديمقراطية
وبلورة الصيغ التنظيمية التي تساعد على تعبئتها وتوحيدها .ورسم الأهداف المرحلية
للحركة الديمقراطية للدخول في مرحله جديدة تمهد لتحقيق البرنامج الديمقراطي, وهذا
يعني ضرورة بلورة هذا البرنامج أولا ووضع ستراتيجيه بناء وتطوير ما اسميه القطب
الديمقراطي الذي يتجاوز في صيغته الصيغ الشعبوية أو الحزبية الضيقة السائدة .
وينبغي من اجل الوصول إلى مثل هذا القطب العمل على تحرير الجمهور الديمقراطي أو
المؤهل لتبني الخيار الديمقراطي من الكثير من التناقضات والتوترات السلبية
والحساسيات والنعرات التي تقسم صفوفه وتجهض حركته وتحيد جهوده, فقسم كبير من
الجمهور الذي يعلن انتماءه لهذا الخيار وإيمانه به لايزال يراهن في الواقع على
التضامنات والانتماءات الطائفية أو القبلية أو العصبوية أو الدينية, ولا يزال غير
قادر على استيعاب أهمية وإمكانية بناء تحالف واسع يضم ألوف المواطنين بصرف النظر عن
المذهب, في سبيل تحقيق أهداف مشتركه في مقدمتها المساواة والعدالة والحرية والكرامة
الشخصية .
فمستقبل الحركة الديمقراطية يتوقف في نظري على النجاح في حل مسألتين رئيسيتين :
بلورة برنامج ديمقراطي, والمقصود بالبرنامج تحديد الأولويات والقيم الاساسية,
واختراع صيغة تنظيمية خلاقة قادرة على دمج التنظيمات الحزبية وغير الحزبية المؤمنة
بالديمقراطية, وعلى تشجيع الافراد على تجاوز انتماءاتهم الجزئية, المذهبية
والطائفية والقبلية والعقائدية ربما, من التخلي الكلي عنها بالضرورة للمشاركة في
بناء مجال جديد للعمل والاستثمار السياسي والاجتماعي العام يكون منبعا لانتماء جديد
لا يقل قوة عن الانتماء الجزئي, بل يتجاوزه هو الإطار الوطني, وما لم تنجح الحركة
الديمقراطية في ذلك فسوف تظل تجمعا محدودا معزولا لفريق من المثقفين الذي يرى فيهم
الرأي العام في أغلبية اقلية مثالية وحالمة, لا قوة حاملة لمشروع تحويل اجتماعي
كبير وناجز. وفى إطار بلورة هذا البرنامج اعتقد إن الحركة الديمقراطية لن تستطيع أن
تنمو وتخرق حدود الاقلية المثقفة الحساسة لمسألة الكرامة والحرية الفردية إلا إذا
أصبحت جزءا من مشروع للإصلاح الاجتماعي والسياسي العام.
وبالرغم من أن تحرير الارادة الشعبية وتحقيق الديمقراطية والتعددية يشكلان اليوم
المدخل الضروري لمواجهة جميع المشكلات الاجتماعية, بما يقدمه من أرضية صحية لمناقشة
هذه المشاكل وبلورة العقلانية وتكوين الإجماع الوطني الذي يحتاجه تطبيق هذه الحلول
ومواجهة المشكلات, فالاولوية اليوم لا تزال بالنسبة للغالبية العظمى من الناس, وسوف
تبقى لزمن طويل عندنا كما في بقية بلدان العالم الثالث .هي مشكلة التنمية
الاجتماعية والاقتصادية وتأمين الغذاء والكساء والمسكن اي فرص العمل أساسا لآلاف
المواطنين ترميهم ظروفهم في الشوارع كل يوم غالبا من دون تأهيل مهني ومن دون تربية
مدنية أو تكوين ثقافي .
وما تعلق الجمهور المتزايد بالديمقراطية ومراهنته عليها إلا ثمرة الاعتقاد المتزايد
بأن قسطا كبيرا من الركود الراهن في السياسة التنموية والتفاوت الخطير في المداخيل
الاجتماعية, كل ذلك ناجم عن طبيعة التوازنات الاجتماعية التي تقوم عليها, ففي ظل
نظام تعليق القانون والتمييز الاجتماعي وتكريس المواقع والامتيازات, وتعميم الرشوة
والفساد وسرقه المال العام لا يمكن أن تحصل استثمارات ولا أن تستقر مواهب, ولا أن
تتراكم رساميل أو تتحقق عدالة . إن ما يحصل بالفعل هو تدمير المؤسسات وتهريب
الرساميل والخبرات وزرع اليأس وقتل اي حافز عند الغالبية العظمى من السكان الذين
يرون نتائج عملهم وجهدهم تبذر أو تنهب من قبل نخب فقدت اي مفهوم للمسؤولية العمومية
.
لا ينبغي إذن للفكرة الديمقراطية ولمسألة المشاركة السياسية وتوسيع دائرة الحريات
واحترام الحقوق الانسانية أن تحجب عنا مسألة الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي,
فالديمقراطية وهذا ما يميزها ليست ديمقراطية شكلية, اي ديمقراطية لضمان الحريات
الفردية, وان محركها الرئيسي كان وسوف يبقى نزوع الجمهور الواسع إلى المساواة
والعدالة والكرامة.
وكما أن الإصلاح الاجتماعي هو شرط ترسيخ الديمقراطية ونجاحها, فان نظام الحرية, بما
يهدف إليه من احترام الإنسان وتأهيله وترقية مواهبه الفكرية والعملية وإطلاق
مبادرته وتفجير قدراته على العطاء والتضامن والتضحية, هو شرط بعث ديناميكية التنمية
الاقتصادية والاجتماعية ودفع عجلة الإصلاح, وإذ أخفقنا في ربط الإصلاح الاجتماعي
بالمشاركة السياسية, فسيكون البديل فتح الباب واسعا أمام موجات جديدة من
الاحتجاجات, فاستمرار الازمة ألاقتصادية والاجتماعية يزيد من تهميش الفئات الشعبية
وتدمير حسها الوطني والسياسي في حين أن غياب المشاركة السياسية يدفع بالنخب
المستبعدة إلى المراهنة المتزايدة على الجماهير المتحولة ببساطة إلى كتل يسهل
التلاعب بها واستخدامها في مشاريع حتى تفرض نفسها .
والنتيجة انه ينبغي النظر إلى الإصلاح الديمقراطي على انه برنامج الحد الأدنى
اليوم, فهو يهدف إلى تأمين الشروط الاساسية للاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي
والمساواة القانونية والشعور بالكرامة الشخصية والحماية الوطنية, وهى الشروط التي
لا غنى عنها من اجل تحقيق أهداف اكبر وتطبيق سياسات ابعد مدى تتعلق بمواجهة قضية
التنمية السريعة, والدخول في عصر العولمة المعلوماتية, فإذا لم ننجح في ربح معركة
الإصلاح الديمقراطي, اي العمل على خلق مناخ اجتماعي وسياسي وفكري ملائم للتنمية
والتقدم وبذل الجهد والتعاون الوطني والتفاهم بين الأطراف الاجتماعية, فمن المؤكد
أننا سوف نخفق في الولوج إلى العالم المعاصر, والوصول إلى الأهداف الأبعد التي
تتعلق بتغيير الواقع المادي, الاقتصادي والستراتيجي, وسنجد أنفسنا نغرق في أزمات
أعمق وأقسى من كل ما عشناه حتى الآن.
عبداللطيف سعود الصقر
السياسة
تعليقات