أدعياء الكتابة.. بقلم أ.د. #محمد_حسان_الطيان
فن وثقافةالآن مارس 24, 2025, 7:16 م 322 مشاهدات 0
كنت في عنفوان عشقي وحبي للعربية، والكتابة بها.. وفيها ولها.. وعنها.. والافتنان في تحبير مقالاتها، وتصنيف الكتب في حسنها وجلالها وجمالها، وطرائق إتقانها واكتسابها، وسبل النهوض بتعليمها وتدريسها، حينَ سوَّلت لي نفسي أن أقدم طلبًا لاتحاد الكتاب العرب، في سورية، كي أصبح عضوًا من أعضائه، متوهِّمًا أني حقيقٌ بذلك؛ لِما لي من سابقةٍ في العربية، ونتاجٍ يشهد بعلوِّ كعبي في الكتابة والتأليف، بَلْه المحاضرةِ والبحثِ والتحقيقِ والتصنيف!
ولكني فوجئت برفض طلبي، على حينَ ضم الاتحاد العشرات من أدعياء الكتابة، والشعر، والأدب، والتحقيق، والتأليف.
والحق أني صُدِمتُ، وعزمت ألا أعيدَ الكرَّة، راضيًا بقسمة الباري لي، في بلدٍ ضُيِّعَت فيه الحقوق، واستبيحت الحُرُمات، وعلا التُّحوت، واستُبعِد الوُعُول [يَعْنِي الأَشراف. وَيُقَالُ لأَشراف النَّاسِ الوُعُول، ولأَراذِلِهم التُّحُوت. وَفِي حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ: لَا تَقوم السَّاعَةُ حَتَّى تَعْلُوَ التُّحُوتُ وتَهْلِك الوُعُول]. وساد فيه الرُّوَيْبِضَة، وغُيِّب الكثير من الأماثل والأفاضل والحذَّاق في فنون واختصاصات شتَّى، لا لشيءٍ سوى استقامتِهم وتدينِهم، وبُعدهم عن الممالأة والمداهنة والنفاقِ، وتحامي السيرِ في ركاب الظلمة والطغاة.
ولكني عدلتُ عن عزمي حين تسنَّم رئاسة الاتحاد زميلٌ لي في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق، التي درَّست فيها منتدَبًا من مركز الدراسات والبحوث العلمية، وقلت لعله ينصفني وهو أقرب إليَّ من سلفه، وأكثر معرفةً ببلائي في العربية وإحساني في أدبها وكتابتها، وكان قد اختار أحد مقالاتي ليُنشَر في كتابٍ أخرجه الاتحاد عن شيخ العربية في بلاد الشام أستاذنا العلامة أحمد راتب النفاخ، وفي أوله مقال مطوَّل لرئيس الاتحاد المذكور، أي له.
على أن الخَلْفَ (بسكون اللام) لم يكن أحسنَ حالا من السلَف، فقد جاءني الردُّ برفض طلبي، فاستأتُ كلَّ الاستياء، وقلت لصاحبٍ لي في الاتحاد: لو أن قارئًا عارفًا بالعربية منصفًا في حكمه، قرأ مقالي ومقاله -أعني مقال رئيس الاتحاد - في أستاذنا النفاخ فحسب، لعَرَف ما لي في العربية وما لَهُ؟ وأين أنا منها وأين هو؟
أقول هذا وأنا لا أذكر أني استطعتُ أن أكمل قراءة مقالٍ من مقالاته على كثرتها وتنوع أغراضها، وخبطها خبطَ عشواءَ في كلِّ وادٍ، ونفاقها ومداهنتها للظلمة والبغاة والطغاة.. ما أدري لماذا تعافُها نفسي، وأشعر بالغثيان، ولا أُشَد إليها، بل لا أجد فيها شيئًا متميِّزًا يجعله مع الكتَّاب المبدعين، فضلًا عن أن يكون رئيسهم. وفيهم كما أسلفتُ من صار إلى قول الشاعر:
لقيطٌ في الكتابة يدَّعيها
... كدعوى آلِ حربٍ في زيادِ
فدعْ عنكَ الكتابةَ لستَ منها
... ولو لَطَّخْتَ ثوبكَ بالمِدادِ
والكتابة فنٌّ رفيع كثر فيه الأدعياء، وقل النابهون والأدباء الأبْيِناء، فما كل من حمل قلمًا وامتلك طِرسًا يحق له أن يكتب أو ينشر ما كتبه بين الناس، إن لم يمتلك الأسلوب الذي يشد القارئ ويحمله على متابعة ما يكتب، ويتحفه بطريف المعاني وشريف المباني ولذيذ الأطايب.. أعني أطايب الكلام.
ما علينا..
وعودًا على بَدْء فقد كان من سوالف الأقضية أن التقيت برئيس الاتحاد هذا عند صديق مشترك لنا، فعتبتُ عليه، فلم يأبَهْ لعتبي، بل كان في فمه كعكة يلوكها كما يُلاك السيجار، أبى أن يخرجها من فمه صَلفًا وكِبْرًا.. فما كان من صديقنا المشترك إلا أن قال له: أما كان خيرا لك أن تأخذ د.الطيان وأمثاله في اتحادك، بدل الكلاب التي تعوي من حولك؟!
وتقوم الثورة المباركة على الطغاة الظالمين في سورية، فيتنادى الأحرار من الكتَّاب لإنشاء اتحادٍ لهم في أرض الكويت الحبيبة، ونُدعى لانتخابات نزيهة في رابطة الأدباء الكويتيين، تعقد لأول مرة في تاريخ سورية منذ إحدى وستين سنة من التزوير والإكراه والكذب والتضليل، لأكون بنتيجتها رئيسًا لهذا الاتحاد، ويعلم الله ويشهد أصحابنا في مجلس الإدارة أني بذلت جهدي لدفعِ ذلك والتنكُّب عن الرئاسة فلم أسطعْ، وحيل بيني وبين ما حاولته.
ولا بدَّ لي أن أنوِّه هنا برابطة الأدباء الكويتيين، التي شرَّفَتْني وكرَّمَتني بضمِّي إلى أعضائها، في سابقة لم تعهدْها الرابطة منذ نشأتها فيما أظن، فلها مني أجزل الشكر والعرفان.
وكان أن نكَّل النظام المجرم بي، بعد انتخابي رئيسًا لاتحاد كتَّاب سورية الأحرار، فاعتقل أخي من بيتي، ورفع اسمي إلى محكمة الإرهاب، فاضطررت لبيع بيتي بثمنٍ بخس، بعد كنت أدفع المبالغ تلو المبالغ من أجل إرجاءِ الحكم عليَّ.
وهذا أهونُ ما نالني من بلاء هذا النظام الباغي المجرم، وخسفه وبغيه وظلمه، ولو عددْتُ بلاياه بي وبأهلي لما وسعني هذا المقال..
إلى أن أقرَّ الله عيني وعيون السوريين جميعا، بل عيون العرب والمسلمين، وعيون كل حرٍّ أبيٍّ فيه مُسْكٌة من إنسانية في العالم أجمع، بزوال الظلم وانتهاء عهد الطغاة، في سورية الحرَّة.
فالحمد لله الذي أذهَب عنا الحَزَن، ونسأله سبحانه المزيد من النِّعَم والمِنَن، والسؤدد والتمكين.. إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.
الكويت 23 رمضان 1446هـ
23/3/2025م
تعليقات