د.محمد الرميحي: فهم أخطار حرب ترامب التجارية
زاوية الكتابكتب د. محمد الرميحي فبراير 19, 2025, 2:29 ص 274 مشاهدات 0
المؤكد أن دونالد ترامب، لأسباب خاصة بنشأته وطريقة حياته، في طريقه إلى إعلان حرب تجارية على الصديق والعدوّ في الوقت نفسه، من دون النظر إلى الأخطار التي يمكن أن تنتج منها، وهي أخطار ضخمة في عالم أصبح مترابطاً واقتصاديات الدول أكثر ترابطاً من أي وقت مضى. ويشكل مفهوم الحرب التجارية العالمية تهديدات كبيرة للاقتصاد العالمي يمكن أن تؤدي إلى الحرب الساخنة، إذ إن فرض التعريفات الجمركية والحصص والحواجز التجارية الأخرى من البلدان بعضها ضد بعض، يقود إلى عواقب اقتصادية مدمرة.
أحد أبرز الأخطار المباشرة لحرب تجارية عالمية هو تعطيل آليات الأسواق العالمية. ويمكن أن تؤدي الحواجز التجارية إلى زيادة التكاليف على الشركات العاملة في السوق المحلية التي تعتمد على السلع والمواد المستوردة، والتي بدورها يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار على المستهلكين المحليين، ويمكن أن يؤدي هذا الضغط التضخمي إلى تقليل الإنفاق الاستهلاكي وإبطاء النموّ الاقتصادي. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي عدم اليقين في الأسواق إلى تقلبات في أسعار الأسهم، وقد ظهرت مؤشرات إلى ذلك التراجع، ما يؤثر على ثقة المستثمرين، وربما يؤدي إلى انكماش في الأسواق المالية في كل أنحاء العالم، بما فيها أسواق الولايات المتحدة.
تترابط الاقتصادات الحديثة بعمق من خلال سلاسل التوريد المعقدة التي تمتد عبر العالم. يمكن للحرب التجارية أن تعطل سلاسل التوريد هذه، ما يتسبب بالتأخير ونقص السلع الأساسية. فعلى سبيل المثال، قد يواجه المصنّعون الذين يعتمدون على المواد الخام أو المكوّنات من بلدان أخرى تأخيراً في الإنتاج، ما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج وفقدان جزء من الإيرادات. يمكن أن يؤثر هذا على العديد من الصناعات، من التكنولوجيا إلى السيارات، ويقود إلى تفاقم عدم الاستقرار الاقتصادي.
يمكن أن يكون للحروب التجارية تأثير مباشر على مستويات التوظيف في الصناعات المتضررة، ونظراً إلى أن الشركات تواجه تكاليف أعلى بسبب التعريفات الجمركية والحواجز التجارية، فقد تضطر إلى خفض الوظائف للحفاظ على الربحية. بالإضافة إلى ذلك، قد تشهد الصناعات التي تعتمد بنسبة كبيرة على الصادرات انخفاضاً في الطلب على منتجاتها من الدول الأخرى، ما يؤدي إلى تسريح العمّال وتقليل التوظيف. ويمكن أن تؤدي الزيادة الناجمة عن ذلك في البطالة إلى إجهاد شبكات الأمان الاجتماعي وتقليل الإنتاجية الاقتصادية الإجمالية.
غالباً ما تؤدي الحروب التجارية إلى تصاعد التوترات بين الدول، ما يقود إلى توتر العلاقات الديبلوماسية وتراجع التعاون في مجالات عديدة. ويمكن اعتبار فرض التعريفات الجمركية والحواجز التجارية أعمالاً عدائية تؤدي إلى تدابير انتقامية مضادة وتصعيد الصراعات. يمكن أن يعوق هذا الانهيار في التعاون الدولي الجهود المبذولة لمواجهة التحديات العالمية المشتركة، مثل تغيّر المناخ وأزمات الصحة العامة والتهديدات الأمنية الدولية.
الاقتصادات النامية خاصةً معرّضة لآثار الحرب التجارية العالمية. تعتمد العديد من هذه الدول بنسبة كبيرة على الصادرات من السلع لدفع عجلة النموّ الاقتصادي في أسواقها وتمويل التنمية. يمكن للحواجز التجارية التي تفرضها البلدان الأكثر تقدماً، أن تحدّ من وصول الدول النامية إلى الأسواق، ما يقلل من عائدات صادراتها ويعوق تقدمها الاقتصادي. يقود ذلك إلى زيادة الفقر وعدم المساواة، ما يزيد من زعزعة استقرار المناطق التي تواجه بالفعل تحديات كبيرة.
ويبرز احتمال أن تؤدي الصراعات التجارية، إن طال أمدها، إلى إعادة تشكيل أنماط التجارة العالمية، حيث تسعى البلدان إلى تقليل اعتمادها على الأسواق الخارجية وتطوير الاكتفاء الذاتي، وفيما قد يوفر هذا بعض الفوائد القصيرة الأجل، إلا أنه يمكن أن يؤدي أيضاً إلى انخفاض الكفاءة الاقتصادية وتباطؤ النموّ بمرور الوقت.
يمكن للحروب التجارية أن تخنق الابتكار والتقدم التكنولوجي عن طريق الحد من تدفق الأفكار والتعاون بين البلدان. فغالباً ما تعتمد جهود البحث والتطوير على الشراكات الدولية والوصول إلى الأسواق العالمية. يمكن للحواجز التجارية أن تعوق هذا التعاون البحثي، ما يؤدي إلى إبطاء وتيرة التقدم التكنولوجي وتقليل احتمالات تحقيق اختراقات تقنية تدفع النموّ إلى الأمام.
ويمكن للحرب التجارية أن تنتج عدم اليقين وتقلبات تؤثر على استقرار النظام المالي العالمي وعلى المؤسسات والأسواق المالية المترابطة إلى حدّ كبير، ويمكن أن تكون للاضطرابات في جزء من العالم آثار متتالية على مناطق أخرى. وتؤدي الحرب التجارية الطويلة إلى انخفاض الاستثمار والإقراض وزيادة النفور من المجازفة بين المؤسسات المالية، ما قد يؤدي إلى اندلاع أزمة مالية عالمية تطال الجميع.
لذلك، إن قرارات السيد ترامب في هذا الخصوص، في حدّها الأدنى غير مدروسة، وغير متسقة مع علم الاقتصاد الحديث، وقد تفرز نزاعات، لا بين الدول فحسب، بل أيضاً في النسيج الاجتماعي الداخلي.
إن أخطار الحرب التجارية العالمية على الاقتصاد العالمي التي أعلنها ترامب متعددة الأوجه وكبيرة. تراوح من الاضطرابات الاقتصادية الفورية وعدم استقرار السوق إلى العواقب البعيدة الأجل على الابتكار وتشغيل العمالة والعلاقات الدولية، ويمكن أن تكون آثار النزاعات التجارية عميقة، بينما تتنقل الدول في تعقيدات التجارة العالمية من الأبسط إلى الأعقد، ومن الضروري الاعتراف بالترابط بين الاقتصادات، وإعطاء الأولوية للتعاون والحوار على الصراع. من خلال تعزيز النهج التعاوني للتجارة والسياسة الاقتصادية التي استقرّ عليها العالم، يمكن للبلدان العمل معاً لتحقيق النموّ والازدهار المستدامين للجميع، إلّا أن ذلك ليس من أجندة الرئيس الأميركي، وعلى العالم أن يربط حزام الأمان، إنها أوقات غير مستقرة تدعو إلى القلق العميق.
تعليقات