عبدالله العنزي ومريم العبدلي يرسمان أقمار الشعر في أمسية معرض الكتاب

فن وثقافة

رجا القحطاني 298 مشاهدات 0


كتب رجا القحطاني:

كان المساء معطراً بعبق الشعر والكلمات الحالمة في أمسية شعرية جمعت بين الشاعر عبدالله العنزي والشاعرة مريم العبدلي وأدارها
أ. حسين سنا في معرض الكويت الدولي للكتاب.

في البدء طلب مدير الأمسية من ضيفَيّ الأمسية  تقديم نبذة عن تجربتهما الشعرية.
بعد ذلك تناوبا على قراءة نصوصهم،
بدأتها مريم العبدلي بنص نثري جميل تتناول دلالاته تساؤلية إنسانية عن إشكالية البؤس  وتبعاته على المجتمع البشري :

وكل الذين قتلتهم نزفوني
توضأت أكتافهم بالضوء
توكأت أكبادهم عظام الآخرين
أيها البؤس
الطالع من فخذ السماء
من يخيط جرح دمك
هل تُجرح الدماءُ
وهل ينزف الدمُ
دماً آخر
أعرف هذا العبث اللعين
جيداً
ذاك الذي يربّي في العقل
أعشاشاً للمضاد
يرقد فوقه
خليقتين كاملتين
تكثر ذرات الغبار
تصير وثناً
تنضج أكثر فتصبح أرضا
الأرضُ غبارٌ تفقّس
الماءُ لحم الأرض العاري


وينتقل صوت الشعر إلى الشاعر عبدالله العنزي ليقرأ نصًّا حافلاً بالجمال، تجاور ايماءاته بين التواضع والكبرياء في مواءمة وجدانية تغلق شبّاك الأمل أمام غبار اليأس:

لأن مسافاتي تخالفُ غايتي
تعودت أن أمشي وأترك حاجتي
تعودت أن أنسى امتثالاً، وأن أرى
مجازاً، وأن أرقى برغم بساطتي
تعودت ألا أستدير إذا مضى
حبيبٌ، وأن أهدي الجراح ابتسامتي
فإن كنت صعلوكاً فتلك قصيدتي
وإن كنت مبعوثاً فتلك رسالتي


على مدى ساعة ونصف الساعة أمتع نجما الأمسية جمهور الشعر بنصوص مختارة بعناية ومتنوعة شكلاً ومضموناً، إذ جاء   شعر النثر الحداثي  بصوت الشاعرة مريم العبدلي ،والشعر العمودي الراقي بصوت الشاعر عبدالله العنزي،لتنهل الذوائق من زلال الإبداع ، فكانت أمسية ناجحة رغم تسرب بعض الضوضاء من الأماكن المجاورة لمكان الأمسية المفتوح، ولعل الجهة المنظمة تتدارك هذه الملاحظة في الفعاليات المقبلة.
________
-من قصائدهم-

مريم العبدلي:

"المجد للمنتحرين"

ما من أحدٍ
يعي غرائبيةَ
أن يكون
عظمك فضفاضاً

أن تستعيرَك جمادية
الأشياء من آدميتك

أنت الآن عظمك !
عظمك الذي هو
حطبُ جسدك مُلقىً
في محرقة وعيك

تشاطرك
الوحدة بعنف ٍ
انفلات سوءك
تُقطّب
المسافات الفاصلة
بين أصابعك ..

أُذُناك قارِبا نجاة
رأسك من
أفكارك المُسنةِ
من فوضاك !

يا أبانا المشحون
باللعناتِ
المُتهالِكِ من فرط
ما اعترف

لأن الانتحارات
موت مُجهَض
إعلانٌ عن وجودية
ناقصة
و عدمٍ لم يكتمل !

فالمجد كل المجد
للكائنات المشبوهه
للساكنين صدرَ الأرض
للمضربين عن الحياة

المجد كل المجدِ
للمنتحرين !
*******

"إغماء"

كلما اقتربت من فك هيروغليفة الوجع
وجدتني أبني في جرحي الهرم الرابع !

أتأله تأوها
أتأوه تألها
مومياء لحزن محنط
و كليوباترا تبيت أسفل جمجمتي ..

يتكاثر الدبق في مخيلتي
فألتصق بنفسي
أفقد نبوءتي
 وأصير ؟
نعم أصير أشياء كثيرة

إيزيس؟
أعوذ بك من كل آدم
و أعيذك من كل
 ماء
ولحم
وطين

هناك
في أبعد عمق
وأعمق بعد
في آخر القاع
و في القاع الأخير ..

منفيون ينحتون بطن الأرض بأضراسهم
بحثا عن منفذ
موتى بعدوى التشيؤ
عالم سفلي
جحيم بلا أسقف
و أحفاد لأطلس
يحملون ضجيج القيامة على رؤوسهم

ترى ؟
ماذا سيحل بالبحر لو أصيبت السماء بحالة إغماء ؟
___________________

عبدالله العنزي:

أَعِيديني على كفَّيْكِ طفلاً
فقلبي لَمْ يزلْ غَضًّا ضَئيلا

خَسِرتُ وأنتِ آخرُ ما تَبَقَّى
مِنَ الأسبابِ حتى لا أَمِيلا

أَضِيئيني فَـبِي ليلٌ طويلٌ
وَبِي فجرٌ يُحَاذِرُ أَنْ يُطِيلا

ولي وطنٌ زُجَاجِيٌّ تَشَظَّى
بِخارطتي فَصِرتُ بِهِ ضَلِيلا

وَبِي وَجَعُ القِيَامِ عَلَى جِرَاحِي
وَإِنْ كَانَ القِيَامُ بِهَا ثَقيلا

سَأَعبرُ مِن صلاتِكِ كُلَّ شيءٍ
إذا كَتَبَ الزمانُ لِيَ الرَّحِيلا
*******

سوفَ تذوي حكمةُ النردِ فلا
يستوي إلا احتمالٌ مُربِـكُ

ثُـمَّ تلقاهُم كما تَعرفُهم
يكنسونَ الليلَ مِمّا يَحلُكُ

ويُصلُّونَ على أوطانِهم
من منافيهم، فيبكي مَلَكُ

سيقولُ الفردُ في معزلِهم:
أنَّ أوصالَ الأسى تَشتبكُ

وشرودَ الضوءِ عن أحداقِهِ
في زنازينِ الضحايا مُنهِكُ

علَّمونا الخوفَ، لكنَّ يَـداً
أومأتْ بالرفضِ لا تَرتبِكُ

يا بلادي، فليكنْ عذرُ الهوى
لانتظاري، أنَّهُ ما أَملكُ
*******

أنا لم أعدْ،
كنتُ أرعى النجومَ
فما جئتُ منها بغيرِ الأرَقْ

وما زلتُ أتبعُ ظلَّ الرجوعِ
فمن أين يبدأُ هذا القلَقْ؟

طرقتُ المدينةَ،
جرحي الدقيقُ
يؤخِرُّني نحوَ جرحٍ أدَقْ

وللطينِ
-حينَ يحنُّ الجدارُ لِـمُـتَّـكِـئٍ -
في التعلُّقِ حَقْ
*******

فيا امرأةً من الأصداءِ مرَّتْ
بذاكرةِ المكانِ فصارَ عَصْفَا

لموالِ البَيَاتِ، نَزَلْتِ صوتاً
وجوديًّا، وسحراً مُستشَفَّا

وحزنُكِ لم يكنْ إلا نبيًّا
ودمعُكِ لم يكن في اللحنِ ضعفَا

قبضتُ على يديكِ فسالَ بحرٌ
ولذتُ بمقلتيكِ فصرن مَرْفَا

تغازلكِ القصيدةُ، نهرُ حبٍّ
سماويٌّ إذا ما غبتِ جَـفَّا

ووجهُكِ في الصفاءِ المحضِ ألقى
تعاويذَ الضياءِ فكان أصفى

مددتُ يدي إليكِ فكنتِ حلماً
وأرخيتُ الستارَ فصرتِ كشفَا

سيورقُ في مداكِ الزهرُ حتى
يصيرَ شذاهُ في خديكِ عُرفَا

وألحظُ شَعرَكِ المجدولَ ليلا
يموجُ  كأنهُ  شِعرٌ  مقفَّى

تعليقات

اكتب تعليقك