الشعر النبطي في قطر والبعد المعرفي للغة "الجزء الأول".. بقلم: د. سعيد نجدي
الأدب الشعبيالآن أغسطس 8, 2024, 7:18 م 4511 مشاهدات 0
يعد الشعر النبطي (العامي) تعبيرًا من تعبيرات الثقافة الشعبية لقطر، بوصفه الناقل عن مشاعر الحياة، وأداة الاتصال مع الآخر ومع الجماعة، من خلال ما يبرزه من مظاهر الحياة التي تعمل على تظهيرها الصور الشعرية، ذات الموضوعات المتعددة للتفاخر بالنسب والقبيلة، وإظهار الكرم والشجاعة، والغيرة على الشرف والعرض، والمديح والهجاء، وأيضًا من خلال موضوعات ذات صلة بالمرأة والحب والرومانسية، وهو بطبيعة الحال شعر قديم جدًا في منطقة الخليج بشكل عام.
ويعود أصل التسمية إلى أكثر من مصدر، كما تنقل الباحثة نورة محمد الهاجري في دراسة لها عن الشعر النبطي (1)، فمنهم من يرجع النبطي إلى نبط الماء واستنباطه واستخراجه، وفي معنى آخر إلى النبيط، أي إلى قوم ينزلون بالبطائح بين العراقيين، فيقال رجل نبطيّ، ونباطي، وهناك معنى يربط النبطي بالبياض في إبط الفرس، وللإشارة إلى ذلك يقال، فرس أنبط.
لهذا يدور المعنى ويتمحور حول البعد اللغوي/ الاستخراج، والبعد الذي له علاقة بالمواضع والأمكنة، وبعد له علاقة نسبية بأقوام معينة، من هنا يشير البعض إلى أن دلالة النبطي هي إشارة على فساد ولحن مستعملي اللغة العربية، لذلك النبطي تساوي الأعجمي أي القول غير الفصيح للغة العربية، وعدم ارتباطها بقوم وافدين إلى الجزيرة العربية، بل أنها للتفريق بين الشعر الفصيح والشعر النبطي. وهناك نسبة المواضع في الإشارة إلى هضبة النبطاء، هضبة بني نمير في نجد، وغيرهم إلى نبط العراق، لكن المهم هو التفريق بين الشعر الفصيح، والنبطي أي البدوي، كما يشير ابن خلدون.
وفي القرن الثالث عشر الهجري، اشتهر محسن الهزاني الذي عاش في القرن الثاني عشر الهجري، وتوفي في القرن الثالث عشر، حيث توفي عام 1221 هجري، ومعه كانت النقلة النوعية في البنية لناحية المضمون والدلالات، وانتقاله من العصر الكلاسيكي إلى العصر الحديث، بالإضافة إلى المجدد الآخر وهو الشاعر محمد بن لعبون الذي توفي عام 1227 هجري.
وبالعودة إلى قطر، فإن الشعر النبطي ما قبل تأسيس الدولة الحديثة، وهي مرحلة ما قبل استخراج النفط، فإن هذا الشعر كان يشكّل بالنسبة للمجتمع الوسيلة الإعلامية التي تتعدّى الترفيه، لأنه كان يختزن الأبعاد التاريخية لجهة الأحداث التي كانت تمر في النسق المجتمعي لقطر، ويُعد ديوان الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني، الذي وضع أسس وقواعد بناء دولة قطر الحديثة، أول ديوان شعري نبطي مطبوع، إلا أن دواوين الشعراء القطريين التي جاءت بعده أتت متأخرة، لأنها أنتجت بعد وفاة أصحابها، والأغلب أنه بسبب أن هؤلاء الشعراء ما قبل مرحلة النفط كانوا أميين لا يعرفون القراءة والكتابة، وهؤلاء هم شعراء المرحلة الأولى، أما الذين كانوا على دراية بالكتابة والقراءة مثل الفيحاني ولحدان الكبيسي الجد، فإنهم توفاهم الله قبل إنتاج دواوينهم.
من هنا اهتمت قطر لاحقًا في فترة التحديث التي بدأت منذ الستينيات بحفظ هذا الشعر، من خلال الوسائل الحديثة، كالإذاعة والتلفزيون، وقد خصص العديد من البرامج حول هذا الشعر من ناحية النوع والإلقاء والأداء، بالإضافة إلى إنشاء المجلات ودور النشر بغية طباعة هذه الأشعار والتعريف بالشعراء، لأنه ما قبل هذه المرحلة كان هذا الشعر ينتقل بطريقة شفهية، غير مكتوبة ومحفوظة بكتب ودواوين، من هنا فإن الذاكرة الشعبية لعبت دورًا في حفظ هذا الشعر إلى حد كبير.
ترجع أقدم المدونات الشعرية النبطية في قطر، حسب المصادر المكتوبة، والمؤرخة لشعرائها، إلى القرن التاسع عشر الميلادي، والذي بدأ كما سبق أن ذكرنا مع ديوان الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني المؤسس، كأول ديوان للشعر النبطي، والذي طبع نسخته الأولى في الهند عام 1328 هجري (1910م)، وبعده يأتي ديوان ماجد بن صالح الخليفي، كديوان مشترك مع راشد بن محمد العفيشة والذي عاصر زمن المؤسس، فله مجموعة من القصائد ضمن ديوان ابنه الشاعر عمير بن راشد العفيشة، وضم ديوان عبدالله البودهيم مجموعة قصائد شعراء البودهيم والذي أرخ لمجموعة من شعرائهم ما بين 1887-1967 م، والتي طبعت في مرحلة لاحقة من القرن العشرين الميلادي .
بدأت الصحافة القطرية الاهتمام بالشعر النبطي مع منتصف السبعينيات في القرن العشرين الميلادي، بمجلة العهد، وجريدة الخليج اليوم، وجريدة الشرق حاليًا، كما صارت لكل جريدة- مثل: الراية والعرب والوطن- صفحاتها الأسبوعية الخاصة بالشعر النبطي، ومن أشهر المشرفين على هذه الصفحات الشعراء: محمد بن إبراهيم الشاعر، عبد الله الغالي المري، حمد بن محسن النعيمي، فالح العجلان الهاجري، والأستاذ جاسم صفر، وفي بداية الألفية الثانية أشرف الشعراء الشباب على بعض الملاحق، مثل: ملحق قصائد أشرف عليه الشاعر جاسم بن محمد بن همام، وملحق قوافي أشرف عليه الشاعر عبد الله مرسل، وهناك ملحق مزون أشرف عليه راضي الهاجري، ولا تزال هذه الصفحات الشعبية قائمة مثل: صفحة منتدى الشعراء، ويشرف عليها الشاعر جابر بن حوبان المري، وصفحة ملفى القصيد، ويشرف عليها الشاعر محمد بن راشد المناعي، إلى جانب الصفحات الشعبية كما ظهرت مجلتان في الألفية الثانية، وهما مجلة بروق 2003 م، ومجلة الريان 2008 م، واللتان تهتمان بنشر القصائد النبطية.
*كاتب وباحث لبناني
تعليقات