من جنايات الصغار على الكبار.. بقلم: أ.د. محمد حسان الطيان
فن وثقافةالآن أغسطس 5, 2024, 7:50 م 1303 مشاهدات 0
كتب أستاذنا الجليل الدكتور مازن المبارك – لا أَخْلَى اللهُ مكانَه – مقالًا ضافيًا بعنوان "شرحُ مقصورة ابن دُرَيد بين ضَياعَين (ضياع نسختها الخطيَّة مدَّة نصف قرن، وضياعها علميًّا في طبعة المجمع) "في موقع الألوكة، ذبَّ فيه عن عِرض أبيه وحرمة العلم والعلماء، وفضح تطاول بعض صغار المتعالمين على كبار العلماء العاملين، فقد عرَض فيه لتطاول موظف صغيرٍ في مجمع اللغة العربية بدمشق على والده العلَّامة الشيخ عبد القادر المبارك، أحدِ مؤسسي مجمع اللغة العربية بدمشق، وأحدِ أركان العربية وعلمائها المعروفين في النصف الأول من القرن العشرين، وذلك لجهل هذا المتطاول بحقيقة الغرض الذي من أجله شرح الشيخ المبارك مقصورة ابن دريد.
كما فضح تطاوله على محقق هذا الشرح زميلنا الكبير الأستاذ الدكتور إبراهيم عبد الله، أستاذ النحو والصرف بقسم اللغة العربية بجامعة دمشق وصاحب المصنفات النافعة والتحقيقات الرصينة التي عرفها كل مهتم بتراث العربية عموما والنحو والصرف خصوصا، كشرح المفصل لابن الحاجب، وشرح المفصل لابن يعيش، والأشباه والنظائر للسيوطي وغيرها، وهو واحد من تلامذة شيخنا العلَّامة أحمد راتب النفاخ رحمه الله، طالما شهدته في مجلسه، واستمعت إليه يسأله ويفيد من علمه.
والحقُّ أني حين قرأت المقال رأيتُني أردِّد وأنا فَـرِحٌ جَذْلَانُ: ﴿الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ﴾ فقد قرَّت به عيني، وأُثلِج صدري، لأنَّ هذا الدَّعِيَّ المتطاول طالما بغَى الفسادَ في المجمع، وتطاول على أهل العلم والعلماء، وعلى الباحثين النجباء، وكان سببًا في حرمان قرّاء مجلة المجمع – وقد سلِّم أمانتها فكان غير أمينٍ عليها – من كثير من البحوث الرصينة التي حالَ بتعالمه وكيده وسوء تدبيره دون نشرها فيها.
وكنت قد اكتويتُ بناره، ونالني من أذاه ما لا يمكن أن أنساه، كما نال غيري أطراف من ذلك الأذى لا تكاد تُحصر فيما علمت بعد ذلك والله المستعان.
وكان من سوالفِ الأقضية أني نشرت في مجلة الفيصل (العدد 284 عام 1998م) مقالًا بعنوان: "ما بُنِيَ من الأفعال على حرفٍ واحد" جمعت فيه أفعال اللفيف المفروق في العربية التي تبقى على حرفٍ واحدٍ في صيغة الأمر، مستدركًا عشَرة أفعال على منظومة ابن مالك المشهورة في هذه الأفعال، تلك التي مطلعها:
إِنِّي أَقُولُ لِمَنْ تُرْجَى شَفَاعَتُهُ ... قِ الْمُستَجِيرَ قِيَاهُ قُوهُ قِيقِينَ
وحين حللت الكويت عام 1999 مدرسًا في جامعتها، اطَّلع على المقال الزميل الكبير الأستاذ الدكتور محمود ياقوت، عندما كان أستاذًا للنحو والصرف في قسم اللغة العربية بجامعة الكويت، فأُعجِب به، وأنكر عليَّ أن يضيع جهدي فيه بمجرد نشر مقال لا يُحتَسب لي في الترقيات الجامعية، ناصحًا أن أجعله بحثًا يُنشر في مجلة محكَّمة لأنال به وبأمثاله ما أستحق من الترقية.
وقد راقتْ لي الفكرة، فرجعت إلى المقال لأبسط فيه القول شرحًا وتحقيقًا، وموازنة وتدقيقًا، ذلك أني رجعت إلى معجمات العربية لأشرح كل فعل استدركته على ابن مالك، وأستقصي شواهده، ثم أحقق فيمن ذكره من علماء العربية، متتبعًا ذلك في كتاب سر صناعة الإعراب لابن جني، والفتح القريب على مغني اللبيب للسيوطي - وكان الزميل د. عبد المجيد فلاح قد زوَّدني بصورة عن عمله في مخطوطه – ثم ألحقت بالبحث أفعلا أخرى تبقى على حرفٍ واحدٍ وإن لم تكُ من اللفيف المفروق مثل: (رَ من رأى) و(بَ من بأَى) لأخلص إلى نتائج وملاحظات لم تكن في أصل المقال.
وقد بلغ مجموع مراجع البحث ثلاثين مرجعا، وبلغت صفحاته ثلاثًا وعشرين صفحة.
فلما اكتمل البحث لديَّ لم أجد خيرًا من مجلة المجمع بدمشق أدفعه إليها، برغم ما أعلم من وجوب الصبر على النشر فيها، وقد حكِّم البحث، وكانت نتيجة التحكيم إيجابية، فلما حان موعد نشره اعترض هذا الموظف زاعمًا أنه قد نُشر سابقًا!
وحين حاولت أن أكلمه لأشرح له وجهة نظري أبى واستكبر واستنكف أن يكلمني – شهد الله – وهو الذي كان يتزلَّف لي ويُظهر من تكلُّف الود ما جعلني أدعوه مع خاصَّة أهل ودِّي ومحبتي، وعلى رأسهم أستاذنا المبارك وشيخنا الشيخ هشام الحمصي وحبيبنا الشيخ نعيم العرقسوسي والأستاذ بسام الجابي مع نخبة من أهل العلم والفضل في مزرعة أخينا الحبيب محمد خير عبد ربه بالريحانية.
وَقِيمَة الْمَرْء مَا قد كَانَ يُحسنهُ ... والجاهلون لأهل الْعلم أَعدَاء
ولأيًا ما حاولت أن أشرح للسادة المعنيِّين أن ما نُشر شيْءٌ، وهذا شيءٌ آخرُ مختلفٌ كمًّا ونوعًا، وبحثًا وتأصيلًا، وتناولًا ومعالجةً.. وأن أدنى نظرةٍ فيهما تُفضي إلى تبيُّن الفرق الهائل فيما بينهما.
فلم أَحْلَ من ذاك بطائل، بل كنت كمن ينفخ في غير ما فحم، ويعمل في غير ما معمل.
وكَم مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا ... وآفتُهُ مِن الفَهمِ السَّقِيمِ
فاحتسبت أمري ودفعت بالبحث لينشر في مجلة الدراسات اللغوية الصادرة عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض، وهي مجلة فصلية محكَّمة رصينة، فصدر في المجلد 14، العدد 3، عام 1433ه/ 2012م. بعنوان: "فوائت ابن مالك من أفعال اللفيف المفروق" وكان من جملة بحوثي التي نلت بها درجة الأستاذية.
وسكتُّ حينها على مَضَض، وطويتُ قلبي على حزنٍ مما ألمَّ بي من أذى ذاك الدَّعي، لأُسَرَّ اليوم بما قرأتُ من كلام شيخنا المبارك، وبما علمتُ من كفِّ يدِ ذلك المتطاول عن أذى أهل العلم والبحث، فالحمد لله الذي أظهر الحق ودحض الباطل.
﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾
الكويت 29 المحرم 1446ه
4 / 8 / 2024م
تعليقات