طه حسين.. رؤى مثيرة للجدل بقلم: محمد حسن الحربي

فن وثقافة

الآن 931 مشاهدات 0


بدءاً من (دعاء الكروان) مروراً بـ(الأيام ج٢) ثم وقوفاً لدى كتابه المثير للجدل (في الشعر الجاهلي). عرفت فيه الأديب الكبير والناقد الجرئ الذي يعمل على عمق النص وحد النار. لكن في كتبه (على هامش السيرة) و(الشيخان) و(الفتنة الكبرى ج٢). تعرّفت عليه مفكراً متأملاً في صنائع الخلق وتحولات النفس البشرية، ورساليّة الدين والشرائع الأخرى. اتحدث عن المفكر طه حسين 1889. عميد الأدب العربي. الرجل الذي امتلك مبضعاً حادا وجاداً، يسير به دون مبالاة، في طريق مخفورة بالمنايا.
إن أول من أطلق مصطلح (العالم العربي)، في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) 1938.  هو طه حسين. والكتاب المذكور، رغم قلة عدد صفحاته، عُدَّ من أهم الكتب التي كتبها، على تعدّد مؤلفاته وأهمية محتوياتها. دليل ذلك، أن كتاب (مستقبل الثقافة في مصر) لا يزال إلى حد الآن، أفكاره تطرح للنقاش في المنتديات الثقافية والفكرية في مصر، وفي غير مطرح من العالم العربي وحتى الغربي. ومن الضرورة معرفة أن الكتاب صدر بعد سنتين من توقيع المعاهدة بين مصر وبريطانيا 1936، التي حصلت مصر بموجبها على استقلالها الوطني.
احتوى الكتاب على أفكار جريئة - وربما صادمة لبعضنا - وغير مسبوقة لطه حسين،  تمحورت في مجملها حول ما يجب عمله في اليوم التالي للاستقلال. ثمة عدد من المقتطفات، تضمنها الكتاب، بدت كما لو كانت بمثابة مفاصل تستوجب التوقف عندها، لما فيها من مفاجأة للمهتمين من قرائه، وأنا أحدهم.
إن حالاً مفاجئة - وصادمة - كهذه التي ولدها الكتاب، لم تسجل نيلاً من مكانته في نفوس محبيه - لا في حياته ولا بعد رحيله.

شخصيًّا أُكبر فيه تنكبه لمهام عجز عنها اللاحقون، وإلى حدما، السابقون، وكذا أحسب الكثير ممن يشاركوني من المفكرين والمهتمين بنتاجه الأدبي والفكري.
من أهم المقتطفات الواردة في متن الكتاب التي اثارت جدلاً واسعاً، فقرة قال فيها بأن (مصر ثقافياً وحضارياً، هي دولة غربية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من دلالة؛ فالعالم ينقسم إلى حضارتين لا ثالث لهما. الأولى تأخذ جذورها من الحضارة المصرية القديمة، وفلسفة اليونان والقانون الروماني. والثانية، تأتي من الهند). وعليه، فإن (العقل المصري القديم ليس عقلاً شرقياً إذا فُهم من الشرق، الصين واليابان والهند، وما يتصل بها من الأقطار). ويقول بأن (مصر تنتمي إلى الحضارة الأولى. فلماذا إذن ينظر المصريون إلى أنفسهم على أنهم من أهل الشرق؟ يأتي هذا بسبب اللغة والدين. والمشاركة في هموم الاحتلال والتخلّف. وما دمنا متخلّفين مثل دول الشرق، ونتحدث بلغتهم، فنحن مع حضارة الشرق. لكن تاريخ مصر يقول عكس ذلك).

وفي هجومه عبر كتابه المذكور، اللغة العامية والداعين إليها. قال العميد:(إني من أشد الناس إزوراراً عن الذين يفكرون في اللغة العامية على أنها تصلح أداة للفهم والتفاهم، ووسيلة إلى تحقيق الأغراض المختلفة لحياتنا العقلية. قاومت ذلك منذ الصبا ما وسعتني المقاومة، ولعلي أن أكون قد وفقت في هذه المقاومة لحد بعيد. لأني لا أستطيع أن أتصور التفريط - ولو كان يسيراً - في هذا التراث العظيم الذي حفظته لنا اللغة العربية الفصحى، ولأني لم أؤمن قط ولن استطيع أن أومن بأن اللغة العامية من الخصائص والمميزات ما يجعلها خليقة بأن تسمى لغة، وإنما رأيتها وأراها دائماً لهجة من اللهجات قد أدركها الفساد في كثير من أوضاعها وأشكالها، وهي خليقة أن تفنى في اللغة العربية).
ويبقى السؤال: هل عُوضنا طوال هذه السنين، بمفكر وباحث وأديب وناقد بمستوى طه حسين؟ ولماذا؟

*كاتب وصحافي إماراتي

تعليقات

اكتب تعليقك