أ. د عبداللطيف بن نخي: التعليق الجزئي والمنظومة التعليمية
زاوية الكتابكتب د. عبد اللطيف بن نخي مايو 16, 2024, 10:16 م 2133 مشاهدات 0
اعتبر مراقبون سياسيون أن الأمر الأميري بِوَقف العمل موقتاً ببعض مواد الدستور، وتحديداً المواد المتعلقة بالسلطة التشريعية، قد صدر لقطع وإنهاء سلسلة طويلة ومتفاقمة من الممارسات النيابية المنحرفة، التي منعت لفترات العمل بمادة أو أكثر من مواد الدستور، وعرقلت وعطّلت عجلة التنمية. بل ان الممارسات المنحرفة وصلت إلى «استغلال الديموقراطية لتحطيم الدولة»، كما جاء في الخطاب السامي الأخير، يوم الجمعة الماضي.
في الدول الديموقراطية المتطورة والصاعدة، الشعب – بمساندة هيئات المجتمع المدني – يراقب ويقوّم السلطة التشريعية. ولكن في الدول الديموقراطية المتعثّرة والفاشلة، نجد أن قوى الفساد مستحوذة على السلطة التشريعية عبر أدوات ووسائل من بينها تجنيد وتضليل شرائح واسعة من الناخبين ونسبة كاسحة من هيئات المجتمع المدني.
في الكويت، الشواهد والأمثلة وافرة على التجنيد والتضليل السياسي، ولكنني سأكتفي بالإشارة إلى مثال واحد حديث على التضليل بالمعلومات المنقوصة، وهو ما جاء في تصريح أحد النوّاب على المنصّة الإعلامية في مجلس الأمّة، حول وجوب استبعاد أحد الوزراء من التشكيلة الحكومية المرتقبة – آنذاك – استناداً على ما جاء في المذكرة التفسيرية بشأن المادة (57) من الدستور.
ضمن كلمته، عرض هذا النائب جملة مقتطعة من المذكرة التفسيرية، تؤكّد الحقّ الدستوري له ولزملائه النوّاب (الذين تحدّث باسمهم) في مسعاهم. ولكن بعد الرجوع إلى المذكرة التفسيرية وقراءة كامل الفقرة المتعلّقة بالمادة (57)، تبيّن أن الدستور منح هذا الحق حصريّاً لأمير البلاد.
فالجملة التي اقتطعها النائب من الفقرة الدستورية، نَصّها ومتنها «وهذا أمر منطقي لأن تجديد الانتخاب معناه التعرّف على الجديد من رأي الأمّة، وهذا الجديد لا يصل إلى الحكومة إلا بإعادة تشكيل الوزارة وفقا لاتجاهات وعناصر المجلس الجديد».
ولكن النائب لم يُشر إلى أن هذه الجملة لم ترد في المذكرة التفسيرية كوصف للنظام البرلماني الكويتي، بل وردت كتعليق على الحالة في الأنظمة البرلمانية التي تذهب إلى أن«الوزارة الجديدة لا يُستقر بها المقام – أو لا تُعيّن أصلاً تعييناً نهائياً – إلّا بعد الحصول على ثقة المجلس النيابي الجديد».
كما أن النائب لم يعرض الجملة التالية للجملة التي هو عرضها، ومفادها متناقض مع مسعاهم، وهي الجملة «ولكن المادة (57) لم تصل في هذا المضمار البرلماني إلى هذا الحد، واكتفت بمجرّد إعادة تشكيل الوزارة على النحو الذي يرتئيه أمير البلاد، على أن يكون هذا التعيين نهائياً وغير معلّق على إصدار قرار من المجلس بالثقة بالوزارة الجديدة». ثم تبعها تأكيد آخر على أن سمو الأمير هو المعني منفرداً بمراعاة الأوضاع النيابية الجديدة «وما يقتضيه الصالح العام» عند إعادة تشكيل الوزارة.
الشاهد أن الكثير من النوّاب اعتادوا واحترفوا ممارسة التدليس والتضليل، بعد أن تيقنوا أنهم محصّنون من النقد الشعبي. لأن معظم الناخبين لا يبحثون ولا يتحقّقون من صحة المعلومات التي تصل إليهم، ومبادئهم وقيمهم تسمح وتجيز للنوّاب «الذين يتبنّون محاربة الفساد» تجاوز حدود اللياقة والقانون والدستور، كتلك التي مُورست في مجلس 2020.
وهاتان السلبيّتان (قصور البحث والتحقيق وجنوح المبادئ والقيم) الشائعتان بين الناخبين منبتهما وحاضنتهما منظومتنا التعليمية، التي من جانب تخلّت منذ سنوات طويلة عن تدريب الطلبة على مهارات البحث والتفكير الناقد، والتي من جانب آخر غرست في الطلبة مبادئ وقيماً مشوّهة متناقضة مع المبادئ والقيم الدستورية. وتكفي الإشارة هنا إلى مثال يجمع السلبيتين، وهو تكرار حالات الغش أثناء الاختبارات برعاية وجهود أساتذة ومعلمين.
لذلك، أدعو من سيكلّفون بدراسة الممارسة الديموقراطية في البلاد – عملاً بما جاء في الأمر الأميري الأخير – إلى إضافة محور إلى نطاق دراستهم يُعنى بالعلاقة المشوّهة بين منظومتنا التعليمية وبين ممارستنا للديموقراطية...
اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.
تعليقات