حسين الراوي: عرفة الهلفوت والذاكرة العربية

زاوية الكتاب

كتب حسين الراوي 1624 مشاهدات 0


«السينما هي الحقيقة، أربع وعشرون مرّة في الثانية».

المخرج الفرنسي جان لوك غودار.

يقول الممثل البارع عادل إمام (زعيم الفن العربي)، «إنّ الماكياج وطريقة الأداء واللبس هي ما يجعل الممثل يعيش داخل دور الشخصية التي سيقوم بتمثيلها. أي أن الموهبة وحدها مهما كانت جميلة لا تكفي لوحدها أن تُمكن الممثل من النجاح في تقديم شخصية الدور الذي سوف يُؤديه في الفيلم».

كلمة «هلفوت» هي من كلمات اللهجة المصرية، وتُطلق على الشخص المُهمّش عديم الأهمية الذي لا قيمة له في المجتمع.

يحكي عادل إمام، عن شخصية (عرفة) التي قام بتمثيلها في فيلم الهلفوت، حيث ذكر أن سيناريو الفيلم بقي عنده مدة عامين، لأنه كان مشغول الذهن في التفكير بكيفية تركيب شخصية (عرفة) جوهرياً وشكلياً، ولأنه كان أيضاً يفكر كيف ينتقي لشخصية (عرفة) ملابسها التي تناسبها، لتقديمها للجمهور، لكي تحظى على درجة جميلة من القبول والواقعية، خصوصاً أن (عرفة) كان تحت هامش الفقر ولقيطاً لا يعرف من هما والداه، وأن قطار السكة الحديدية هو الذي أتى به لتلك القرية التي تدور في محيطها أحداث فيلم الهلفوت.

وبقاء سيناريو فيلم الهلفوت في درج مكتب عادل إمام، لمدة عامين يدل على أنه كان متمسكاً جداً في تأدية دور (عرفة مشوار)، وأنه مؤمن برسالة فيلم الهلفوت، ويدل أيضاً أن عادل إمام، يتمتع بحس فني رفيع المستوى أوحى له بأن فيلم الهلفوت سيكون من بين أهم أفلامه التي سيقدمها للسينما العربية.

وهذا الأمر أيضاً يدل أن سيناريو فيلم الهلفوت كان ثميناً بمعانيه الإنسانية، وخطيراً بإسقاطاته السياسية، وفي ذلك يقول منتج ومخرج الأفلام الإنكليزي السير ألفريد جوزيف هتشكوك: «تحتاج ثلاثة أشياء أساسية لصنع فيلم جيد... السيناريو والسيناريو والسيناريو».

في أحد الأيام دخل عادل إمام، ومعه مُساعده إلى منطقة (عابدين) في القاهرة، وهناك رأى فتىً يلعب كرة القدم في ساحة ترابية مع مجموعة من أصدقائه وهو يرتدي سروالاً رياضياً قديماً وبالياً ومتسخاً، ذكّره سريعاً بشخصية عرفة! فأعطى عادل إمام لمساعده 50 جنيهاً، وطلب منه أن يعطيها لذلك الفتى، مقابل سرواله الرياضي الذي لم يكن يساوي حينها جنيهاً واحداً! فوافق الفتى أن يتخلّى عن سرواله على الفور.

يقول عادل إمام، إنه كان يستطيع أن يشتري سروالاً رياضياً جديداً ثم يقوم بتمزيقه وتوسيخه وتهيئته لشخصية عرفة، لكنه كان يريد أن تكون شخصية عرفة قريبة من الواقع قدر الإمكان، خصوصاً أن لباس عرفة اكتمل بفانيلة (معفنة)، وحذاء عسكري من دون جوارب! مع شعر رأس مجعد كثيف ولحية قصيرة غير مُرتّبة!

تم عرض فيلم الهلفوت عام 1985، وهو من تأليف الكاتب المهم وحيد حامد، ومن إخراج المميز سمير سيف.

الفيلم من روائع السينما العربية، وهو فيلم سياسي مغموس بالكوميديا، قام بتمثيله مجموعة من ألمع ممثلي السينما المصرية، ويحكي عن الناس الغلابة المهمّشين، وعن التفاوت الكبير بين طبقات المجتمع المصري، وعن غلاء الأسعار الفاحش الذي يتحكم فيه التجار الجشعون دون رحمة ودون مسؤولية، وللأسف أمام مرأى ومسمع من السلطة الحكومية دون تدخُل منها!

يقول المسرحي الكردي، يكتا هركول: «يجب أن نضع الفنّ في خدمة التنوير والتوعية».

وفي فيلم الهلفوت أجاد عادل إمام، خدمة التنوير وخدمة التوعية بإتقانه لمظهر وروح وفقر وأوجاع (عرفة)، إلى الحد الذي جعل (عرفة) يسكن في ذاكرة المواطن العربي البسيط للأبد، ولقد استطاع عادل إمام، أيضاً أن يجعل (عرفة) يسكن ذاكرة أصحاب النفوذ الذين لا يعرفون الرحمة والإنسانية، وكيف لا يكون ذلك؟! وقد اهتم وحرص عادل إمام، على تقديم شخصية عرفة للجمهور بحرص كبير واحترافية، لدرجة أنه اشترى (سروال عرفة) بخمسين جنيهاً!

تعليقات

اكتب تعليقك