أحمد الصراف: الرشوة الشرعية والقانونية
زاوية الكتابكتب أحمد الصراف يناير 14, 2024, 11:06 م 1257 مشاهدات 0
أصبحتُ في عام 1975، وبخلاف رغبتي، مقاول بناء!
حصل اثنان من أعز أصدقائي، حينها، على قطعتي أرض من الحكومة في مشرف، بسعر شبه مجاني، إضافة إلى قرض حكومي يمتد سداده على مدى عشرات السنين، من دون فوائد. وتصادف في الأسبوع الذي حصلا فيه على رخصة البناء، أن تلقيا عرضين من التعليم العالي لابتعاثهما لأميركا لنيل شهادة الدكتوراه. طلبا مني مساعدتهما في بناء البيتين، خلال غيابهما في الخارج، فرفضت، لأسباب عدة.
دخلت مكتبي صبيحة يوم، فوجدت ظرفين كبيرين في داخل كل منهما مخططات بناء فيلا، وشيك من الحكومة بمبلغ 6000 دينار، ووكالة عامة لمصلحتي، بصلاحيات مطلقة، ورسالة عاطفية تضمنت كامل ثقة كل من الصديقين بـ«قدراتي» على القيام بالمهمة، وأنه لا أمل لهما في بناء بيت العمر من دوني، فغيابهما في الخارج سيطول لسنوات، وهما لا يثقان بأحد غيري للقيام بالمهمة!
أسقط بيدي، فقد خططا لتتوافق قراءتي لرسالتيهما مع مغادرتهما للبلاد، واستحالة اتصالي بهما. فأصبحت خلال أيام مقاول بناء، على الرغم مني، وكانت تجربة طويلة وجميلة في بداياتها، لكن تعرفت على الوجه المظلم للمقاولات، عندما قررت، بناء على رغبة المهندس الذي شاركني في البناء، التخلي عن طريقة البناء المثالية، التي اتبعناها لسنوات، والتي كانت تعتمد على مبدأ تحمل صاحب المشروع لكامل تكلفة البناء، إضافة لنسبة تتراوح بين %15 و%20 لنا، وهو ما يعرف بـCost Plus، والدخول، بدلاً منها، في تجربة تنفيذ مناقصات من الدولة، وتبين، مع حصولنا على أول مشروع حكومي، أن الميدان ليس ميداننا، وعلينا الخروج منه، وكانت تلك نهاية علاقتي بمقاولات البناء!
* * *
لو قامت أية شركة مقاولات بناء بقراءة عقود المقاولة بتمعن، لما دخلت في أي مشروع، لما يتضمنه عادة من شروط إذعان تجعله عقد سخرة و«عقد فساد وإفساد» للمقاول ولممثلي المالك، إلا ما ندر! ففي أي مشروع بناء حكومي هناك من يمثلها في الموقع، وتتحدد درجته حسب حجم المشروع، ولهؤلاء سلطات كبيرة، تمكنهم من الإضرار الشديد بالمقاول، الشريف أو الفاسد، إن رفض أياً من طلباته، سواء ما تعلق منها بالعمل أو بأموره وطلباته الشخصية!
كما تنص بعض العقود على قيام المقاول بتوفير سيارات، من فئة معينة، لمهندسي ومراقبي المشروع، وهذه أيضاً وسيلة لشراء ذمم هؤلاء، إما بتزويدهم بسيارات أكثر فخامة مما نص عليه العقد، أو أن تكون من نصيبهم، بعد انتهاء المشروع، مقابل مبلغ رمزي.
كما تتطلب بعض المشاريع ضرورة قيام ممثلي الوزارة بزيارات لمصانع الشركات الأجنبية، المرتبطة بالمشروع، للاطلاع «عن كثب» على المفروشات أو المعدات أو المركبات التي يتطلبها المشروع، وما يتضمنه ذلك من محاولات فساد وإفساد.
هناك عشرات الأمور الأخرى، التي يتطلب الأمر تعديلها في عقود المقاولات، مع ضرورة الانتباه لقضية سرعة سداد مستحقات المقاولين عما قاموا بإنجازه من أعمال، فللسداد المنتظم دور كبير في تقليل الحرمنة والرشوة، إضافة لدوره في تسهيل عمل المقاول، وتحسين قدرته على التنفيذ الجيد.
الحلول لمثل هذه المشاكل موجودة، وما على الجهات المعنية في الدولة إلا الاستماع لها وتطبيق الجيد والمنطقي منها.
* * *
نرحب بعودة الصديق الزميل بدر البحر للكتابة، بعد انقطاع لم يطل كثيراً، وهذه المرة في الزميلة «الجريدة»!
نتمنى أن يستمر في حربه ضد قوى الفساد والتخلف وأدعياء التدين.
تعليقات