#مقال.. محمد حسن الحربي: بكاء القراءة

فن وثقافة

الآن 1635 مشاهدات 0


حينما أقرأ كتاباً بديعاً، قصة رواية أم كتاباً فكرياً، أتأثر به، ويأخذ مني التفكير فيه فترة طويلة، إلى أن يقع في يدي كتاباً آخر، أفضل منه فكرة وجودة. ساعتها فقط تخف لدي الشحنة الدرامية التي خلّفها الكتاب السابق، فأدخل مسروراً في الجديد. وهكذا. هذا ما قاله لي أحد اصدقائي، وكنت قد عرفته يلتهم الكتب التهاماً ولا يقرؤها مثلنا. هو يتحدث هنا عن جانب من نشوة القراءة والكتابة، التي أشبه ما تكون بنشوة العيون بالوسن. وعلمت بأن ثمة كثيرين مثله، ممن أدركتهم عادة القراءة وحرفة الكتابة.
لكن ما أراه ليس سليماً، إلى حد ما،، هو أن بعض الأحداث يتأثر الشخص بها عند قراءتها، إلى حد يجد نفسه غارقاً فيها بعمق، لا ينجده من قاعها إلاّ سخونة دمعة أو دمعتين، سقطتا من مقلتيه، على غفلة، عندها.. وعندها فقط، يعدّل من جلسته، بعد أن ينظر يمنة ويسرة للتأكد من خلو المكان، خشية أن قد رآه أحد.
يحدث هذا عند قراءة قصص الحب التاريخية، غير العادية، كمجنون ليلى وكثيّر عزّة من جزيرة العرب(القرنين 7/6 الميلاديين). أو روميو وجولييت، من فيرونا الإيطالية (في القرن  16 الميلادي). على حد قول شكسبير . وتلكم القصص الغرامية لا تشبه قصص عصرنا.
في حالة البكاء، اتساءل: علامَ يبكي القارئ؟ على النهاية المأساوية لقصة الحب مثلاً، أم على مستوى التضحية المتبادلة بينهما، التي فاقا فيها احتمال الكثير من المتيمين، وحُرما، بعد المضاناة والسقم، من وصل يروي الفؤاد. أم أن بكاء القارئ في تلك الحالة، كان على ذاته، يعزيها ويواسيها، كونه لم يصادف في حياته تجربة حب صادقة، كالتي انتهى من قراءتها؟
ما أقسى كتّاب القصص، لا يفكرون إلاّ بجودة ما يكتبون، لا بقلوب القراء الواهية.
لكن ثمة سؤال آخر، وأخير، يستحق الطرح في السياق ذاته: تُرى، كيف يبكي الرجل متخلياً عن صلابته وجلده، وهو الذي، مذ كان طفلاً، تربّى على أن دمعة الرجل عصيّة عزيزة، وعليه أن يكون على علاقة سيئة بالضعف، مهما كان الموقف ضخماً ومفجعاً؟
ما أكثر الرجال الذين يخونون (ميثاق الصلابة) في الخفاء.
لكن لو وضعنا جانباً ما يقوله علم النفس، من أن البكاء حالة صحية  تنتاب الإنسان، يستعيد بها توازنه الذي اضطرب فجأة. ترى، من قال أن المحمولات التراثية يمكن أن تؤثر فيها الاكتشافات العلمية بما فيها علم النفس؟

* كاتب وصحفي إماراتي

تعليقات

اكتب تعليقك