خيرالله خيرالله: المغرب والزلزال... وتطويع الجهل!

زاوية الكتاب

كتب خيرالله خيرالله 580 مشاهدات 0


بعد أقلّ من أسبوعين على كارثة الزلزال الذي ضرب مناطق مغربية جنوب مراكش، في الثامن من الشهر الجاري، أعلن الديوان الملكي عن برنامج لإعادة ما تهدّم.
البرنامج متكامل ويشمل البعدين الإنساني والاجتماعي للمعركة التي يخوضها المغرب كلّه في أيّامنا هذه. أين أولئك الذين استعجلوا في شنّ حملة على المغرب الذي استطاع مواجهة آثار الزلزال بطريقة علميّة وهدوء، بما يصبّ في مصلحة الشعب المغربي؟
تكفّل عاملان في إسكات كلّ الأصوات التي تجرّأت على المغرب. العاملان هما التضامن الشعبي والتلاحم بين المغاربة ووجود قيادة سياسية تعرف كيف التعاطي مع مثل هذا النوع من المصائب.
يعبّر عن التضامن والتلاحم تدفق المساعدات الشعبية على المناطق المنكوبة.
كان بين الذين قدموا مساعدات فقراء أرسلوا إلى تلك المناطق كلّ ما يملكونه من مؤن وأثاث وأدوات منزلية... من وجدة، إلى تطوان وطنجة، إلى العيون...
مضت ثلاثة أسابيع تقريباً، على الزلزال، اختفت الأصوات التي سارعت إلى توجيه انتقادات من كلّ نوع إلى المعالجة المغربيّة التي جعلت من المملكة، كواحة استقرار، استثناء في منطقة شمال أفريقيا كلّها وصارت بوابة أساسيّة لأوروبا إلى القارة السمراء.
سكتت الأصوات التي ربط بعضها بين الزلزال والاستقرار الداخلي في المغرب نفسه.
كانت هناك أصوات فرنسيّة، وحتّى عربيّة شاركت في الحملة على المغرب. أطلقت هذه الأصوات العنان لمواقف أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها عنصريّة. يجمع الجهل بين هذه الأصوات العربيّة والأوروبيّة.
إنّه جهل بالمغرب وبما هو المغرب وتركيبة المغرب ومؤسسات المغرب... وجهل بالعلاقة بين الملك والشعب.
في المغرب ملك اسمه محمّد السادس يتابع تفاصيل التفاصيل، المتعلّقة بكلّ ما يجري في البلد.
رفع محمّد السادس منذ بداية عهده شعاراً يقول إنّه يريد من كلّ مغربي أن يفتخر ببلده.
سئل محمّد السادس، بعيد صعوده إلى العرش في العام 1999، عن القدرة التي امتلكها والده الملك الحسن الثاني (رحمه الله) على صعيد تكريس الدور المغربي على الصعيدين العربي والإقليمي ونجاحه في ذلك، فكان جوابه: «لئن كان المرحوم قد وضع اسم بلاده في الخرائط الدوليّة، فإنّ هم خليفته أن يرصّع اسم المغرب في قلب كلّ مواطن مغربي».
ثمّة وضوح ليس بعده وضوح في كلام العاهل المغربي. كان لهذا الوضوح انعكاس مباشر على مرحلة ما بعد الزلزال التي رافقها الملك منذ اللحظة الأولى مع انتقاله فوراً من باريس إلى الرباط ليكون إلى جانب شعبه ولينتقل إلى مراكش للتبرع بالدم لضحايا الزلزال.
كشف ما تعرّض له المغرب كم هناك جهات عربيّة وأوروبية، في مقدمها فرنسا الرسميّة، تجهل ولو قليل القليل عن المغرب وعن الاستمرارية في المغرب وعن العلاقة بين مؤسسة العرش وكلّ مواطن مغربي. استطاع المغرب، في نهاية المطاف، تطويع الجهل ومن يقف خلفه.
ثمة فارق بين التنظير وما يحصل على أرض الواقع. على أرض الواقع، خصّص الملك محمد السادس 120 مليار درهم (12 مليار دولار) في إطار خطة تستمر خمس سنوات تهدف إلى التعافي من الزلزال وتشمل أبعاداً اجتماعية واقتصادية مختلفة مثل إيواء المتضررين وإعادة بناء المساكن وتهيئة البنى التحتية. يشمل ذلك أعداد هذه البنى لمواجهة أي زلزال يمكن أن يحدث مستقبلاً.
ليس سرّاً أن الإجراءات التي اتخذها محمّد السادس اتسمت بالسرعة والشمولية، نظراً إلى أنّها استجابت للحاجات الضرورية العاجلة للمتضررين مثلما جاء في إجراءات جلستي يومي التاسع والرابع عشر من سبتمبر الماضيين اللتين عقدتا برئاسة العاهل المغربي.
كان لافتاً سرعة هذه الإجراءات وتنوعها، لتشمل مختلف مناحي الحياة. يثبت ذلك قدرة المملكة على الاعتماد على ذاتها في إدارة أزمة الزلزال.
أكثر من ذلك، هناك قدرة لدى المغرب على تحديد دقيق لما هو في حاجة إليه ومن هي الدول القادرة على سد هذه الحاجات في هذه المرحلة المعيّنة، على أن تكون هناك استعانة بجهات أخرى في مرحلة لاحقة.
لدى المغرب القدرة على تحديد من يريد بالفعل مساعدة الشعب المغربي ومن يريد استغلال الزلزال لمآرب خاصة.
كان مفيداً إيضاح الديوان الملكي المغربي في بيان صدر بعد اجتماع الملك محمد السادس مع مسؤولين في الحكومة والجيش، أن البرنامج المتعلّق بإعادة الإعمار يستهدف مساعدة أربعة ملايين ومئتي ألف شخص في المناطق الست الأكثر تضرراً، وهي مراكش والحوز وتارودانت وشيشاوة وأزيلال وورزازات.
يلعب الجهل بالمغرب في مصلحة المغرب الذي يمتلك أولويات خاصة به. يوضح البيان الصادر عن الديوان الملكي في شأن المساعدات المخصصة لإعادة الإعمار حجم الكارثة التي تعرّض لها المغرب. لكنّه يوضح أيضا مدى ثقة المغرب بنفسه وبقدرته على مواجهة التحديات مهما كانت كبيرة ومهما علت أصوات الجهل والجهالة.
هذه أصوات الحاسدين الذين يرفضون الاعتراف بما تحقّق في هذا البلد.
الأمر لا يقتصر على إيجاد العمق الأفريقي للمغرب الذي يتكرّس يوماً بعد يوم، ولا يقتصر على البنية التحتية للمغرب التي صارت بنية متطورة تنافس البنية التي لدى الأوروبيّة. الأمر يتعلّق أيضا بقدرة المغرب على الدفاع عن وحدته الترابيّة وأقاليمه الصحراويّة.
كان الزلزال امتحاناً للمغرب وأهله. انتصر في هذا الامتحان. بين ما ساعده في الانتصار جهل بعض الأوروبيين والعرب به وتلهيهم بالقشور والكلام العام الذي لا معنى له بدل الذهاب إلى لبّ الموضوع. لبّ الموضوع الوحدة الوطنيّة المغربيّة وعلاقة تربط الملك بالشعب، وهما خط الدفاع الأوّل عن البلد... ولا شيء آخر غير ذلك.

تعليقات

اكتب تعليقك