محسن الهزاني.. أضرم الشعر بالغزل واستنجد بالتوبة

الأدب الشعبي

رجا القحطاني 3907 مشاهدات 0


كتب رجا القحطاني

هو شاعر الغزل الشهير محسن بن عثمان الهزاني ، من الهزازنة وهم كانوا أمراء الحريق الواقعة في ناحية نجد.
ولد محسن الهزاني في منتصف القرن الثاني عشر الهجري. .
عرفت الذاكرة الجماعية الهزاني شاعراً محلقاً في آفاق الهوى والغرام، ولُقّب بأمير الشعر الغزلي ،وتميزت قصائده بلطف التناول ، وإشراق الأسلوب، وانسيابية المعاني، وربما كان الهزاني أول شاعر ينسرب إلى الذهن عند استقراء نزعة الوصف وخلق المشهد الحواري وسرد المغامرة في الشعر العامي في زمن الشاعر.
وكأنه أعاد تجسيد صورة الشاعر الأموي عمر ابن أبي ربيعة، إذ بين أسلوبيهما تقارب شعري في جراءة التعبير وذكر تفاصيل المغامرة الغرامية ، ولعل من شواهد هذا التقارب قول ابن أبي ربيعة:

قالت الكبرى أتعرفنَ الفتى
قالت الوسطى نعم هذا عمر
قالت الصغرى وقد تيّمتُها
قد عرفناه فهل يخفى القمر


وفي مثل هذا التعبير يقول محسن الهزاني:

قالت حدا تلعات الارقاب ياخيّ
هاذيك ليلى العامرية وانا ميّ
قالوا من أنت وقلت قاضي هل الغيّ
أنا الذي كيل الهوى لي بلا صاع


لايصعب على من يتأمل شعر الهزاني اكتشاف تأثره بالشعر الفصيح بالرغم من اتساق قصائده في صيغ شعرية عامية ، وهذا ينسحب على شعراء الحاضرة القدماء مثل محمد القاضي وسليم عبدالحي وأبو حمزة العامري وغيرهم،ما أعطى تلك المرحلة الزمنية لوناً شعريًّا خاصاً بها، لايفقد مشهديته العامية وزخمه الإبداعي حتى وإن تخللته ومضات من الفصحى، يأتي ذلك على سبيل التمازج اللغوي، والتأثر بالقراءات.
ظلَّ محسن  الهزاني شاعر الغزل في الذاكرة جيلاً بعد جيل ، تتوالى في قصائده الوجدانية مشاهد التشويق والربط الموفق بين الصور الحوارية أو الوصفية المتدفقة:
يقول:

وانا سبب قتلي ضحىَ شفت رعبوب
يضحك ويومي لي وانا من ورا الباب
من قبل شوفي له وانا قبل اباتوب
ومْترّكٍ  عني  هوى  تلع  الارقاب
العين خرسا كنّها عين يشبوب
وجدايلٍ من فوق الأمتان سكّاب
طرشت انا لمورّد الخد مندوب
يقول لي مرسول معسول الانياب:
ترى خليلك قال لي قلْ لمحبوب
عينه تباري للقمر خامسه غاب
لولا الحيا نطيت من راس مشذوب
وانوح نوح الورق واجيب ماجاب


ويقول كذلك:
اشتكي لك من هوى نجل العيون
يوسفيات  البها  حمّ  الشفات
سالباتٍ للملا  تلْع  الرقاب
خرّداتٍ  بالبيوت  مْخفّرات
قاصرات الطرْف عنهنّ البدور
لو تبيّن جنح  ليلٍ  كاشفات
عنبريات  الروايح  بالكمال
في  جمالٍ  قايماتٍ  قاعدات


وله قصيدة كثيرة التداول وقد تحولت  إلى أغنية بصوت راشد الماجد، وصالح الحريبي ، ومنها :

برقٍ   تلالا  قلت  عز  الجلالا
واثره جبين صويحبي واحسبه برق
قالوا كما مبسم "هيا " قلت لا لا
بين البروق وبين مبسم هيا فرق
روشن هيا له فرجتينٍ  شمالا
بابٍ على القبله وبابٍ على الشرق
ياشبه صفرا طار  عنها  الجِلالا
طويلة السمحوق تنزح عن الدرق
له ريق احلى من حليب الجزالا
واحلى من السكر ليا جا من الشرق


بيد أن الهزاني ألّف قصائد عديدة تتسم بروح الحكمة والنصح  وفهم الحياة لاتقلُّ قوةً واتقاداً، ومن ذلك قوله:

ولا تامن  الدنيا  وإياك  مكرها
فكم ضيعت بالغدر من راي واحد
الى امنت اهلهم مع الأمن جاتهم
بغارات  بينٍ  مالها  من  يطارد
وحذراك تلجا في حجا جال مبغص
ولاتتصل  بحبال من لا  يساعد


وبالرغم من ارتباط اسم محسن الهزاني بالشعر الغزلي الجرئ وظهوره شاعراً عاشقاً عابثاً ، إلا أن الشاعر ذرف دموع الندم ورجع إلى التوبة في قصيدة مؤثرة على الأرجح قالها في أواخر حياته حيث توفي في أوائل القرن الثالث عشر الهجري تقريباً ..ومنها:

دع لذيذ الكرى وانتبه ثم صلْ
واستقم في الدجا وانتبه ثم قلْ
يامجيب الدعا ياعظيم الجلال
يالطيفٍ  بنا  دايمٍ  لم  يزلْ
واحدٍ  ماجدٍ  قابضٍ  باسطٍ
حاكمٍ  عادلٍ كل  ماشا فعلْ
ظاهرٍ  باطنٍ  حافظٍ  رافعٍ
سامعٍ عالمٍ مابحكمه مِيَلْ
بعد لطفك بنا ربنا افعل بنا
كلّ ما أنت له ياإلهي  أهَلْ
يامجيب  الدعا  يامتمّ  الرجا
أسألك  بالذي  يا إلهي  نزلْ
به على المصطفي من شديد القوى
أسألك بالذي دكّ صوب الجبلْ
الغنى والرضا والهدى والتقىَ
والعفو العفو ثم حسن العملْ

إلى قال في نهاية القصيدة:

يامجيب الدعا يامتمّ الرجا
استجب دعوتي انني مبتهلْ
امحُ سيئتي واعفُ عن زلتي
انني  يا إلهي  محل  الزللْ
فأنا  الذي  بك أمدّ  الرجا
فلا خاب من مد فيك الأملْ
ثم ختمه صلاتي على المصطفى
عدّ ماانحىَ سحابٍ صدوقٍ وهلْ

تعليقات

اكتب تعليقك