أضواء على مسيرة الراحل الكبير سليمان الهويدي.. وعلاقة "الهايد بارك" بقصيدته "الفيضة"

الأدب الشعبي

رجا القحطاني 951 مشاهدات 0


كتب رجا القحطاني

الشاعر الكبير الراحل سليمان الهويدي العنزي المولود بمنطقة الجبلة في  الكويت عام 1927م
يُعدّ من أبرز شعراء الكويت والجزيرة العربية.

وله مكانة كبيرة لدى متابعي الشعر الشعبي على الصعيد المحلي والخليجي، فهو إضافة إلى كونه شاعراً مبدعاً عمل في الجهاز الإعلامي منذ نشأة هذا الجهاز  ،وقدم برامج تلفزيونية تتعلق بالأدب الشعبي ، فهو أحد رواد البرامج  الشعرية والتراثية ، وبالرغم من أنه من شعراء الستينات الا أن لقصائده مذاقاً خاصاًّ ولوناً تعبيريًّا متجددا، إذ تتميز أشعاره بقوة المعاني وفرادة الأفكار وجمالية الأسلوب،
تطرق  صالح الهويدي إلى حياة البادية وذكريات الماضي شعرياًّ في قصيدته الشهيرة"عشقت القمر"
ومطلعها:

عشقت القمر حيث القمر ينبعث به نور
واخص الليالي البيض تزها ويزهنّه
واحب الهوى لاهبّ من خايعٍ ممطور
وريح النفل حيث النفل طيب الخنّه


إلى أن قال مستذكراً الحياة في الماضي:

سقا الله ليالٍ ماضيه قبل هدم السور
نِحَفْر العدود ونشرب الما من الشنّه
نشوف البنات اليا اوردن كنهنّ الحور
مهارٍ  مشاويلن  بالاعياد  معتنّه
على الما تشوف بيوتهم كنهنّ القور
كثير  القبايل  تقطن العدّ  بالكنّه
على البال ذكراها ياليت الليالي دور
ياليت  الليالي  ماخذنه  يجيبنّه
تذكرت شيبانٍ لنا يوم حنا بْزور
يحثوننا بالطيب والفرض والسنّه
وعاشو حياةٍ قاسيه في بحر وبرور
عسى الله يعوضهم بمافات بالجنّه
ودورٍ مضى من بينهم وين ذاك الدور
زمانٍ  مضى  له  ذكرياتٍ  يحلنّه
يوم الذهب مايلبسونه بدون خصور
جمال النسا ماهو من السوق يشرنّه
فقدنا حياة البدو مع شوفة المظهور
ولا عاد به بدو ولا الطرش له حنهّ !


سليمان الهويدي الملقب بشاعر السور الذي كان رحيله عام 2000م له قصايد تتناول جوانب عديدة في حياة المجتمع ومعطيات الواقع من خلال الحكمة وصدى التجربة والنصح كقوله ناصحاً ولده صالح:

يا صالح البحث خله وترك الماضي
عوج الليالي عسى ربك يعدّلها
لا تتبع النفس ترّث فيك الأمراضي
ودع الحواسيس عنّك لا تخيّلها
وعمل لدنياك وآخرتك وكن راضي
وارزاقنا عند رب العرش كافلها
واسلك طريقٍ سليمٍ فيه تعتاضي
بعض المواقف تبيض وجه فاعلها
واحذر تسارع على الهرجه وتغتاضي
ودعوى تعداك  لا تشرح  بفايلها


إلى أن يقول في حكمة ضافية رسمتها تجارب الحياة:

لو تنصف الناس ما نحتاج للقاضي
تلقا المحاكم خفيفاتٍ مشاكلها
لو ما الغنايم تجي وهبات وحظاظي
كان أكثر اللي تشوفه  ما يحصلها
ومن راقب الخلق يكسب هم بالفاضي
كلٍّ  هدومه  على  قده  يفصّلها


ومامن شك أن صالح الهويدي كتب القصيدة العاطفية في أسلوب يختلف عن أساليب الشعراء في عصره ، إذ تجئ قصيدته العاطفية متجددة في صورها التعبيرية والوصفية ، ويبتعد بها عن الأسلوب النمطي المتشابه. كما أن بعض قصائده الوجدانية جاءت انعكاساً لمشاهدةٍ ما أو موقفٍ ما، مثلما ذكر الشاعر القدير مبارك شافي الهاجري في قناته اليوتيوبية " المبدأ" التي يروي بها قصص العرب وقد لازم الهويدي فترة من الزمن ، أن القصيدة المشهورة لسليمان الهويدي التي مطلعها" يبو عبدالله نزلنا وسط فيضه " قالها الشاعر  في مطلع ثمانينات القرن الفائت  أثناء فترة استشفائه في لندن بعد أن تجول مع ابنه في حديقة الهايد بارك ورأى فيها  مشاهد عجيبه ، وليست كما يظن البعض أنه يصف مكاناً ما في دولة خليجية أو كما كان يظن كاتب هذه السطور ،
وهي قصيدة رائعة بصورها المتناسقة وقوافيها الانسيابية قالها الهويدي على  سبيل الطرافة  وبأسلوب الكناية حيث يقول  فيها:

يابو عبدالله نزلنا وسط فيضه
فيضةٍ خضرا تساقيها الخباري
في طرف وسميةٍ ماهي عريضه
بس فيها الظبي الأشقح والحباري
صيدها لاجا العصير يْهيض هيضه
لو معك شوزن تحمّل لك لواري
مارعينا  عشبها  لكن  غميضه
وماحصل لي شي من صيد العصاري
ما تـجوز  لواحدٍ  حاله مريضه
يـنطر التقرير ماهو عنْه  داري
مثل براقٍ حدَر واقفى نفيضه
طايحٍ  حملي  وادوّر  يامكاري
ليت منهو داج فيها طول قيظه
طـيبٍ  يطرب  للبّاس  الـخـزاري
ومن نسى راع الوفا ينسى الفريضه
افـتخر  بك  يبو عبدالله  واماري


ويقصد ب "ابو عبدالله "  الشيخ ناصر صباح الأحمد  رحمه الله الذي تربطه معه صداقة وطيدة ، وقد تكفل الشيخ بعلاجه في تلك الفترة ، وبمبادرة من الشيخ وليس بطلب من الشاعر.

رحم الله الشاعر الكبير سليمان الهويدي الذي يستحق أن نكتب عن مسيرته الإبداعية أكثر مما كتبنا في هذه السطور ، فقد أثرى مكتبة الأدب الشعبي بنتاجات شعرية رائعة ستظل لامعة في ذاكرة محبيه ومتابعيه ، فالعطاء الأدبي المتميز يبقى شعلةً متقدةً في الأذهان، لايطفئها تقادم الأزمان.

تعليقات

اكتب تعليقك