أ. د عبداللطيف بن نخي: عبدالمحسن جمال وحقل الدرّة
زاوية الكتابكتب د. عبد اللطيف بن نخي يوليو 9, 2023, 11:42 م 603 مشاهدات 0
يعود الخلاف حول حقل الدرّة إلى الستينات من القرن الماضي، حين مَنحت الكويت شركة شل الهولندية الملكية، ومَنحت إيران شركة البترول الأنجلو-إيرانية، حق التنقيب عن حقول بحرية في شمال الخليج. حيث تقاطع هذين الحقّين في مساحة مشتركة، وقع فيها الجزء الشمالي من حقل الدرّة عند اكتشافه في عام 1967.
وبالرغم من الدعوات المتبادلة بين الطرفين الكويتي والإيراني لترسيم الحدود البحرية المشتركة، والمحادثات والجلسات التي عقدت بينهما في الشأن ذاته، إلا أن نتائجها كانت محدودة، وتخلّلتها تحرّكات أحادية تمهيدية للاستثمار في الحقل، أعقب أحدها إعلان ترسيم الحدود البحرية الكويتية السعودية، من خلال اتفاقية «المنطقة المغمورة المحاذية للمنطقة المقسومة» في 2/ 7/ 2000.
أُرسل مشروع قانون هذه الاتفاقية إلى مجلس الأمة بمرسوم صدر في 9/ 7/ 2000. وعرض على المجلس في جلسة اليوم التالي 10/ 7/ 2000، الذي بدوره وافق على إحالته إلى لجنة الشؤون الخارجية لدراسته وتقديم تقرير في شأنه بصفة الاستعجال. فاجتمعت اللجنة في اليوم التالي وأعدّت تقريرها، وعرضته على المجلس في جلسة 12/ 7/ 2000، ووافق المجلس على الاتفاقية بمداولتين في الجلسة ذاتها بإجماع الحضور.
بعيداًعن تفاصيل الاتفاقية، ما يهمّني في هذا المقال – مع تجدّد التصعيد حول ملكية حقل الدرّة – هو استحضار مجريات جلسة إقرار الاتفاقية لغرضين: الأول كشف إحدى صور التضليل الذي مارسه ومازال يمارسه مجموعة من النوّاب الحاليين المقنّعين بشعار الإصلاح، والثاني ترشيد التعاطي مع مستجدّات قضيّة «الدرّة».
بالنسبة للغرض الأول، أقول إنه رغم اختلاف السياسيين في تقييم مجلس 1999، إلا أنهم – في الحد الأدنى – متفقون على أنه لم يكن في مجمله ضعيفاً ولا فاسداً، رغم علمهم أن هذا المجلس درس وقيّم اتفاقية ترسيم حدود بالغة الأهمية، في منطقة فائقة الغنى بالثروات النفطية والغازية، خلال يومين فقط، وأقرها بعد اختصار مناقشتها إلى أربعة متحدثين بواقع 5 دقائق لكل منهم في جلسة علنية أشبه بسريّة.
فعلى سبيل المثال، المجلس لم يستجب لطلب مسلّم البرّاك، المتكرر عرض خرائط الاتفاقية في قاعة المجلس بحجة أنها عرضت في اجتماع لجنة الشؤون الخارجية السرّي بطبيعته، والحكومة لم تجب عن تساؤلات الشعب التي طرحها البرّاك واكتفت بالإجابات التي قدّمتها في اجتماع اللجنة المتّسم بالسرّية.
الشاهد، أن بعض نوّاب مجلس 1999 تناسوا كيفية تعاطيهم مع اتفاقية «المنطقة المغمورة المحاذية للمنطقة المقسومة» في عام 2000، واتهموا مجلس 2016 بالضعف أمام الحكومة في شأن إقرار قانوني الاتفاقية الملحقة ومذكرة التفاهم بين الكويت والسعودية في عام 2020. ثم عادوا اليوم إلى ما كانوا عليه قبل 23 سنة، بل أشد من ذلك، فرضخوا لقرار تأجيل جلستي أمس وأوّل أمس اللتين دعا إليهما الرئيس السعدون في ختام الجلسة الافتتاحية، ولم يقدّموا طلباً لمناقشة مستجدات أزمة «الدرّة».
وأما بالنسبة للغرض الثاني من استحضار مجريات جلسة إقرار الاتفاقية في عام 2000، أقول إن أجمل ما طرح في تلك الجلسة هو ما تضمّنته مداخلات مقرّر لجنة الشؤون الخارجية آنذاك د. عبدالمحسن جمال، من تأييد لفتح المجال للمزيد من المناقشة حول الاتفاقية، ثم ثنائه في تعقيبه الأخير على مداخلة البرّاك، وقوله للبرّاك «لا تستطيع أن تحقّق (100 في المئة) من غرضك في كل الأحوال، لا في الحرب ولا في المحاكم الدولية ولا في الاتفاق الثنائي، لأنك بين مصالح دولتين، وبالتالي هناك أخذ وعطى بين الاثنين».
لذلك أدعو المجلس – بجناحيه المنتخب والمعيّن – والنشطاء السياسيين إلى الاطلاع على مضبطة جلسة إقرار اتفاقية عام 2000، وبالأخص تعقيب الدكتور جمال، الأخير، من أجل ترشيد موقفنا الوطني تجاه قضية حقل الدرّة، الذي طال كثيراً تأجيل الاستثمار فيه، على حساب مرونة الاقتصاد الوطني وصحة المجتمع وسلامة البيئة... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».
تعليقات