حسن العيسى: دعوة للتشكك

زاوية الكتاب

كتب حسن العيسى 3411 مشاهدات 0


أثار الصحافي الأميركي سيمون هيرش قضية خطيرة في الأيام القليلة الماضية. سيمون هو أشهر إعلامي قام بفضح العديد من الممارسات العسكرية الأميركية بالماضي، وكانت ضرباته الصحافية الأشهر أيام حرب فيتنام، حين أظهر بالدلائل القاطعة وحشية القصف الأميركي على المدنيين في فيتنام، وكان حينها يكتب في «نيويورك تايمز»، التي كانت أقرب للحيادية الإخبارية ذلك الوقت، ولم يعد يسمح له بالكتابة في تلك الجريدة العريقة في وقت لاحق.

يقول سيمون إن الولايات المتحدة قامت قبل شهرين من الحرب على أوكرانيا بتفجير أنابيب النفط التي تضخ النفط الروسي لأوروبا في قاع البحر، تلك الأنابيب هي ملكية الدولة الألمانية وعدد من الدول الأوروبية، واتهمت أميركا حينها روسيا بالقيام بهذا العمل الإرهابي، لكن لماذا تفعل ذلك روسيا وتثقب شرياناً اقتصادياً يغذي صادراتها، وهي التي قامت بعد ذلك بإصلاح الأنابيب؟ ويقرر سيمون أن الولايات المتحدة كانت لها أهدافها البعيدة في ذلك، ولو كان ذلك يضر بحلفائها الغربيين. ولم يفصح هيرش عن مصادره الإخبارية.

الاقتصادي جيفري ساكس، وهو أستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا، والذي استعان به عدد من الدول مثل بولندا وروسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، لا يستبعد مثل تفسير سيمون هيرش، ويؤكد أن تاريخ المخابرات الأميركية يؤيد ذلك، ففي التاريخ القريب نسبياً، قامت الولايات المتحدة بتحضير الانقلاب على الرئيس الأوكراني السابق يانكوفيتش، الذي أراد الوسطية في العلاقات بين الغرب وروسيا، وكان يرفض الانحياز التام للغرب، فهذا يضر بمستقبل أوكرانيا، وحرب اليوم هناك تؤكد صحة مخاوفه.

يذكر جيفري ساكس أن هَم الولايات المتحدة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي هو عزل روسيا وحصارها بضم الدول التي كانت تدور في الفلك السوفياتي سابقاً إلى حلف «الناتو»، فأميركا تراجعت عن تعهداتها لغورباتشوف بعدم توسع هذا الحلف الغربي خارج ألمانيا بعد اتحادها، ورفضت تقديم أي قروض لروسيا في محنتها الاقتصادية رغم رغبة الرئيس غورباتشوف في أن تكون روسيا عضواً مساهماً في المجتمع الأوروبي، بينما فتحت أبواب المساعدات لبولندا دون حدود.

يؤكد جيفري ساكس أن تفجير الأنابيب التي رفضت ألمانيا والسويد الإفصاح عن المسؤول المتسبب فيها بعد تحقيق طويل هو عمل دقيق ولم يكن سهلاً، ويستحيل أن تقوم به جماعة إرهابية معينة، بل هو عمل دولة بخبرات كبيرة.

أياً كان ما عليه الأمر حول دور الدولة الأميركية الأكثر تدخلاً في شؤون العالم، وهنا، بالمناسبة، نحتفل هذه الأيام بذكرى الاستقلال والتحرير الذي ما كان ليحدث لولا التدخل الأميركي، ربما نعيد التفكير فيما قالته السفيرة الأميركية لصدام قبل الغزو العراقي، بأن خلاف الكويت والعراق شأن خاص بكما، وكيف فسر الطاغية عباراتها، لنا الحق في أن نعيد التفكير فيما حدث، ومن كان المستفيد الأكبر من حرب الخليج الأولى في إصلاح آبار النفط، وإعادة بناء الكويت، وصفقات الأسلحة الضخمة لدول المنطقة التي زادت أضعافاً مضاعفة بعد الحرب، دون نسيان الفوائد الكبيرة التي عادت على إسرائيل بعد تحجيم دور العراق؟

ليست هذه دعوة للتفسير التآمري للتاريخ، وإنما مناسبة للتفكير المتشكك في كل ما جرى وسيجري في عالم مصالح معقد تسوده المصالح الاستراتيجية لدول عظمى، بينما نجري هنا بكل بلاهة ونقذف كرات الماء بحماقة الأطفال.

تعليقات

اكتب تعليقك