محمد المقاطع: الهيئة العامة للجنسية... ضرورة وطنية

زاوية الكتاب

كتب د. محمد المقاطع 3132 مشاهدات 0


قدّمت الحكومة في 13 ديسمبر الماضي برنامج عملها لمجلس الأمة، وتضمّن في محوره السياسي إنشاء الهيئة العامة للجنسية، من أجل تنقية ملفات الجنسية مما لحق بها من شوائب، فهي تدرك، بلا شك، أن الجنسية - مع الأسف - لحقها العبث والتجنيس السياسي والتزوير والتدليس وتغيير البيانات، وأشارت بعض الشخصيات إلى بلوغه 400 ألف حالة من العبث والتزوير.

وهناك من يقول إن هناك 96 ألف حالة تزوير مباشر للجنسية، وعليه، لابدّ من غربلة ملفها، من قِبَل جهة وطنية مؤتَمنة قادرة لديها الملفات والبيانات، ومفوّضة باتخاذ ما تراه لحسمه.

حينما صدر القانون رقم 15 لسنة 1959 (قانون الجنسية)، فإن الاعتبارات الأساسية التي بُني عليها هي بيان الحد الفاصل بين الجنسية ومن يستحقها ومَن لا يستحق، فقد كان وضع تاريخ عام 1920 تاريخاً مفصلياً لاستحقاق الجنسية الكويتية بصفة أصلية (الصفة التأسيسية). كما شُكّلت عام 1960، بقانون آخر، لجان سمّيت لجان تحقيق الجنسية، وكان هدفها تقصّي مَن يدّعي أنه كويتي استناداً إلى القانون، فتتم مقابلته والاطلاع على مستنداته ووثائقه وسماع الشهود وما يدلي به من بيانات، قبل أن تثبت له من عدمه (جنسية التأسيس)، وقد شُكّلت اللجان حسب المناطق والأحياء المعروفة في الكويت وقتذاك، واستحقاقها كان مسألة سيادية قانونية ومحصّنة إجرائياً من التلاعب أو الواسطة، وقد أنهت اللجان مهمتها نهاية عام 1961، وكان إنجازاً تاريخياً حسمت وفقاً له فئة الجنسية الأصلية أو التي نسمّيها «بالتأسيس».

ولم يكتفِ أهل الكويت بذلك، فكان هناك حرص شديد لمنع العبث والتزوير وغيرها من الأمور، فجاء دستور 1962، بثلاث مواد مختلفة، تحصيناً للجنسية التي يحددها القانون، والمقصود به رقم 15 لسنة 1959، إذ إن وجوده السابق لم يكن سبباً لإلغائه لاحقاً، بل كان سبباً لتحصينه والاعتماد عليه، فهو الفيصل في تحديد الجنسية الأصلية وغيرها من حالات الجنسية، مثل التجنيس أو غيرها، وهو سبب إضفاء المادة 180 من الدستور تحصيناً للقوانين والمراسيم والأوامر والقرارات الصادرة قبله، حتى لا تتعرّض للعبث، وكان القانون 15 لعام 1959 أوّلها تحصيناً، لمنع أي عبث.

وزيادة في التحوّط أقروا في المادة 82 منه شرط أن يكون كويتياً بصفة أصلية لمن يرشّح نفسه لمجلس الأمة، ويعلم واضعو الدستور أن المقصود بالكويتي بصفة أصلية، هو المعرّف والمحدد في القانون 15 لعام 1959 حتى لا تكون هوية الكويتي عبثية وعُرضة للخضوع لأيّة متغيرات في الدولة.

لكنّ تعديل مجلس الأمة عام 1994 بالقانون 44 لسنة 1994 بتغيير الصفة الكويتية الأصلية بجعلها متاحة لابن المتجنس هو الخروج والإثم الصارخ المُرتكب بحق الوطن والهوية بعيداً عن الغاية والحكمة التشريعية للتعريف المقرر بالقانون 15/ 1959، وأيضاً التحديد المنضبط في دستور 1962.

لذلك نحن اليوم في حاجة إلى إعادة غربلة هذا الملف، واستبعاد مَن لا يستحق الجنسية، وإعادة التدقيق في الجنسية الأصلية، لتطهيرها مما لحق بها من تزوير وعبث سياسي، ولا يمكن أن يتم ذلك بصورة مطمئنة إلّا بإنشاء الهيئة العامة للجنسية التي تبنّتها الحكومة مشكورةً في برنامج عملها، والتي يُنتظر تشكيلها دون تأخير، وأن تكون عضويتها من خيرة أبناء الكويت الغيورين والحريصين عى هُويّتها الوطنية، حتى لا يتم تهديد الدولة، سواء في كيانها السياسي أو السيادي أو الأمني من خلال ملف الجنسية الذي تعرّض للعبث بلا أي رادع ولا وازع وطني.

تعليقات

اكتب تعليقك