مبارك الدويلة: تخوين الحكماء

زاوية الكتاب

كتب مبارك فهد الدويلة 3295 مشاهدات 0


لم يحدث أن نجح مجلس الأمة في الكويت في إسقاط قروض المواطنين إلا مرة واحدة فقط أثناء كارثة الغزو العراقي الغاشم، حيث قام المجلس الوطني آنذاك بشراء جميع مديونيات عملاء البنوك، وجاء بعد ذلك مجلس الأمة في عام 1992 وأصدر قانون تحصيل المديونيات الصعبة من التجار وعملاء البنوك، وهو القانون رقم 43 / 1992 إن لم تخني الذاكرة.

بعد ذلك تكررت محاولات النواب لإسقاط قروض المواطنين ولم تنجح أي من هذه المحاولات، واليوم يعاد تقديم الموضوع نفسه لكن مع اختلافات جوهرية. اليوم يملك مقدمو الاقتراح العدد الكافي لتمرير قوانينهم، واليوم توجد حكومة توصف بالإصلاحية، وأثبتت تعاونها مع النواب في تمرير مشاريع شعبية سابقة. والجدير بالذكر أن النواب هذه المرة جاؤوا بحزمة من القوانين لمعالجة موضوع تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين ولم يكتفوا فقط بالمطالبة بإسقاط القروض.

من بين هذه الحزمة اقتراح بإسقاط فوائد القروض، واقتراح آخر بزيادة الحد الأدنى لراتب المتقاعد، وآخر بأن يتم إسقاط القروض الاستهلاكية فقط على أن يتم سدادها من العلاوة الاجتماعية للمقترض.

طبعاً، الحكومة، ممثلة بوزارة المالية والبنك المركزي، رفضت جميع الاقتراحات، في خطوة تعتبر مخالفة لنهجها الذي سارت عليه خلال الـ«مئة يوم» الأولى من عمرها وعمر مجلس الأمة، بل فوجئ الجميع عندما خاطب رئيس الحكومة النواب بلغة التهديد بحل مجلس الأمة، ما أوجد ردة فعل غاضبة من النواب الذين عبَّر 22 منهم عن استيائهم في بيان أصدروه.

والآن ما السبيل للخروج من هذا المأزق؟

بقراءة سريعة لتاريخ مسلسل إسقاط القروض، نجد أن الحكومة لن تقبل بجميع مقترحات النواب، خصوصاً إسقاط جميع القروض التي تجاوز مجموعها 14.6 مليار دينار بحسب مصادر البنك المركزي.

إذن كيف السبيل إلى الحل؟ 

الحل الذي أراه هو اقتراح النائب صالح عاشور بإسقاط القروض الاستهلاكية فقط وخصمها من العلاوة الاجتماعية، وبذلك يتميز الذي لم يقترض بعدم الخصم من راتبه أي شيء!

كما أن زيادة الحد الأدنى للراتب التقاعدي تساهم في تحسين معيشة المواطنين المتقاعدين.

أما الإصرار على إسقاط جميع القروض وتحميل الحكومة كلفة الديون وفوائدها، فهذا يعني الدخول في نفق لا نعلم نهايته.

قضية أخرى تستحق التوقف عندها في حال أصرت الحكومة على رفض كل هذه المطالبات بحجة كلفتها على المالية العامة للدولة، وهي إسقاط فوائد القروض، وهذه مع مخالفتها الشرعية والقانونية (أي الفائدة على القرض)، فإنها تخفف عن المواطن الشيء الكثير، حيث إن بعض الفوائد يتجاوز نصف قيمة القرض.

اليوم نحن أمام ابتلاء يعيشه العديد من النواب هذه الأيام، فالحديث عن تراجع في الموقف يعتبره البعض خيانة للوطن والمواطنين، وأي تفكير اليوم لإعادة النظر في الاقتراحات أو ترتيبها وتحديد أولوياتها يعتبر مع الأسف تخاذلاً وانهزاماً، فإذا أضفنا إلى ذلك العناد والإصرار عند صاحب الرأي، فإن التصادم قادم لا محالة. وسنعود إلى المربع الأول وسيختفي مصطلح الحكومة الإصلاحية الذي عشناه في الأشهر القليلة الماضية.

أتمنى من الحكومة أن تفكر بشكل مختلف، فلا يهلك الذئب ولا تفنى الغنم، وإن تعذرت بأن الأمر فوق طاقتها، فالاستقالة أكرم لها.

كما نتمنى من المواطنين عدم تخوين النواب الذين يفكرون بشيء من الحكمة في معالجة هذا الأمر، فحقوقهم محفوظة ومكفولة.

تعليقات

اكتب تعليقك