محمد المقاطع: بين قطر والمغرب وأمجاد العرب والمسلمين
زاوية الكتابكتب د. محمد المقاطع ديسمبر 13, 2022, 10:10 م 3121 مشاهدات 0
سبق أن كتبنا أن تنظيم قطر لبطولة كأس العالم يُعدّ حدثاً يحمل رسالة مدوية للاعتزاز بالهوية بقوة وثقة، والجهر بالفضيلة وإعلاء الدين وتأكيد التلاحم العربي في صعيد واحد، وهو تجسيد فعلي للآية الكريمة «واعتصموا بحبل الله جميعاً».
وها نحن نعيش في ظل الأجواء المعتصمة بحبل الله المتين، فنشعر بالوحدة والتعاضد ونفخر بوشائج القوة من عقيدة وتراث ولغة وأمجاد، وهو ما تمكنت قطر من إحيائه.
ولم يطُل حلمنا العربي والإسلامي طويلاً حتى توالت رمزية إمكانية تحقُّق ذلك، بانتصارات كروية مذهلة ل «أسود المغرب»، وكأن لسان حالها يقول ها نحن قادمون إلى قطر من علياء جبال الأطلس، لنعلن قدرتنا على أن نتجاوز عقبات التاريخ والواقع، فقبل أيام بلجيكا، وبالأمس القريب إسبانيا، واليوم لحقت بهما البرتغال، وهو ليس سوى المسار التاريخي والمجد البطولي والتفوق الحضاري الذي كرّسته قطر في حدث فريد وحاضر لم يكن أن نبلغه من دون اعتصام بحبل الله المتين.
وها هي رمزية فوز المغرب تعبر بنا من الشرق إلى الغرب، لنستعيد في قطر وحدث نجاحها ما حفزه ومهّد له، فكان لا محالة من استعادة التاريخ وكيف كانت الإرادة الملهمة لفتوحات مدخلها جبال الأطلس من المغرب، وقد تمكنّا خلالها من إقامة أمجاد لحضارة عربية إسلامية ومنارة متحضرة بمدنيتها وبعلومها وعمرانها وتفوّقها الإنساني وتسامحها الديني، لتقيم دولة مترامية الأطراف وسط أوروبا، تشعّ من خلالها حالة فريدة للارتقاء الديني والحضاري والثقافي والعلمي يندر وجود شبيه له، في مقابل صفحات لتدافعات استعمارية وعدائية كانت تسعى إلى التوسع والتدمير ونهب الثروات لدى الأمم والشعوب الأخرى، لتتفرّد رسالتنا الإسلامية بتفوّقها وارتقائها الإنساني والحضاري، الذي أخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
وما أشبه اليوم بالبارحة، فقد جاء حدث نجاح قطر المذهل بهويته وتوحيده للأمة، ليكون نقطة بداية لاستعادة الثقة، وما انتصارات المغرب المتوالية في بطولة كأس العالم، إلا تلك الرمزية لبعث الحياة من جديد في عودة أمجاد العرب والمسلمين، ليست باعتبارها تاريخاً وحلماً، بل لكونها حقيقة للتدليل على القدرة والإمكانية والتجسيد الواقعي، وأن ذلك الطموح والأمل في استعادة ريادة العالم وقيادته ليس بعيد المنال، بل إنه في متناول العرب والمسلمين، فها هي قطر جسّدت ذلك، ولا تزال الإمكانات متوافرة والأمجاد ماثلة، وملامح المستقبل ترتسم من جديد بلوحة غيّرت اليأس والعجز والمستحيل إلى أمل وتحفُّز وإرادة. ما أجمل أن تعيش حدثاً يبعث على التفاؤل ويفتح الآفاق التي تظن أنها قد أغلقت أو ذهبت أدراج الرياح.
إن حبل الله المتين الذي اعتصمت به قطر ومدّت أطرافه لكل العرب والمسلمين للالتقاء بصعيد دوحة الخير، وأكمله المغرب بزئير أسوده، وجلجلة صوت ذلك الزئير في آذان كل العرب والمسلمين وفي قلوبهم وتلاحمهم، بدموع حزن سابق لغسل آلام الماضي ودموع فرح قادم بشروق تبعث به إمكانية تواصُل الأمجاد، إلهامُه بداية أجواء جسّدتها قطر ورمزيّته حققها المغرب، وسيّان إن فاز أو خسر بعد اليوم.
تعليقات