د.محمد الرميحي: «بني ياس» الثالث عشر... عتمة وبصيص أمل
زاوية الكتابكتب د. محمد الرميحي نوفمبر 12, 2022, 9:16 م 327 مشاهدات 0
أربعة أسباب رئيسية تجعل من لقاء صير بني ياس السنوي الذي تنظمه الخارجية الإماراتية ذا نكهة مختلفة؛ الموضوعات المطروحة للنقاش، سوية المحاضرين والمناقشين من مشارب مختلفة، وكونه يتم تحت رادار العلنية الإعلامية، أي لا ينسب لقائل قول... كل ذلك يؤدي إلى الخصيصة الرابعة، وهي أنك تستمع لآراء صريحة في الموضوعات المُناقشة.
يحضر هذا اللقاء رؤساء وزراء سابقون من الإقليم ووزراء خارجية عاملون وسابقون وحشد من المتخصصين. هذا العام عُقد اللقاء في مدينة أبوظبي في ظل متغيرات كثيرة وعميقة، منها الحرب في أوكرانيا، والانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، والانتخابات الإسرائيلية، وقمة المُناخ في شرم الشيخ، وجوع العالم إلى الطاقة، وتضخم يلف كل اقتصادات العالم.
الموضوعات التي طُرحت منها تنافس القوى العظمى وتأثيرها على الشرق الأوسط، روسيا والشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا، الولايات المتحدة والشرق الأوسط والدول العربية، الدول غير العربية إيران وتركيا وإسرائيل، التأثير الاستراتيجي للطائرات المسيًرة، تغير المناخ.
في مثل هكذا لقاء لثلاثة أيام من الصعب الإحاطة بكل ما قيل؛ ولذلك ما سوف يأتي هو ملخص وإشارات لما خرجت به شخصياً من النقاش الثري الذي تم.
الملاحظة التي تجمع هو أن هناك «تفكيكاً للشراكة العالمية التي جمعت العالم منذ الحرب العالمية الثانية»... لقد واجهت تلك الشراكة الكثير من التحديات، إلا أن الحرب في أوكرانيا تشهد التفكك الكامل لما كان يسمى «شراكة مع خلاف» واليوم أصبح «صراعاً» والكل يجتهد في استطلاع طرق وأفكار لبناء شراكة أخرى قائمة على مجموعة قيم جديدة عالمية متوازنة، لكنها لم تتبلور بعد.
العالم انقسم بسبب حرب أوكرانيا إلى رافض لفكرة الاحتلال بلا إدانة عملية لروسيا، وآخر رافض مع إدانة، والثالث على الحياد يسعى إلى الحلول، في الوقت نفسه لم يعد للولايات المتحدة سياسة خارجية واحدة.
هناك سياستان في العقود الأخيرة، الأولى ديمقراطية والأخرى جمهورية، كل سياسة منهما تتصور أنها سوف تصحح أخطاء الأخرى في الشرق الأوسط، فترتكب أخطاء جديدة، كما أنه لأول مرة في التاريخ أصبح تأثير الداخل «المضطرب» على الخارج قوياً ومؤثراً كما لم يكن من قبل، فينقل الاضطراب إلى الآخرين، سوف نرى سياسة أكثر إرباكاً بعد نتائج الانتخابات النصفية.
روسيا تعتبر الهزيمة في أوكرانيا يعني أنها تتحول إلى دولة من العالم الثالث، في قول «إما أن تبقى كقوة أو تنهار»، وهذا ما لا تتصور أنه يمكن أن يحدث، لا بد من شيء من الانتصار وفي حده الأدنى الاحتفاظ بالأقاليم التي تتحدث الروسية والموالية لها والقريبة من حدودها، من دون ذلك، فإن النزاع يمكن أن يستمر، إلا أن استخدام النووي لم يعد مطروحاً على الطاولة، وفي إحدى الإفادات قيل «إنه تراجع إلى أقل من 10 في المائة»! كما أن الغرب الأوروبي في نظر روسيا لم يعد قادراً على تحمل تبعات الحرب لفترة طويلة، خاصة في مجال الطاقة والغذاء. وجهة النظر الروسية، أن العالم «في حرب عالمية آيديولوجية»؛ فالغرب يشن حرباً إعلامية على روسيا ويزود أوكرانيا بالسلاح! فإن كان هناك طائرات «درون» إيرانية، فإن الغرب يقدم أكثر الأسلحة تقدماً لأوكرانيا! أثيرت فكرة كون «الجيش الروسي ينهزم»! فكان الرد «لسنا بصدد أميركا في أفغانستان»! طبعاً اختلاف القراءة التاريخية للأحداث وتكيّفها لتعزيز وجهات النظر المختلفة هي «لعبة» الدبلوماسية، وخاصة في أوقات الصراع.
في العلاقات بين العرب وبين دول الإقليم لا بد من استطلاع أولويات تلك الدول، وهي على التوالي كما بدا من المناقشات، الأولويات الإيرانية ثلاث أساسية: تسريع البرنامج النووي، خاصة بعد تصاعد الاحتجاجات الأخيرة، وتمتين العلاقة مع روسيا؛ كونها تقف في نفس الخندق المضاد للولايات المتحدة، وتوسيع النفوذ في الجوار. القوميات المختلفة والطبقة الوسطى في إيران وجماعات المدن والجيل الجديد لم يعد يثق بإمكان النظام القائم أن يقوم بإصلاحات؛ لذلك فإن احتمال اتساع رقعة المعارضة هو الأقرب. هناك ثلاثة مصطلحات ليس لها علاقة باللغة السياسية الإيرانية الحالية، «الحلول الوسطى» و«التسامح» و«احتواء المختلف»، واحتمال تغير مسار السياسة الإيرانية ربما يحدث بتغيير القيادة، التي لا يزال الغموض يحوط مستقبل الخلافة فيها. أما أولويات تركيا (وهي تستعد لانتخابات عامة بعد عشرين عاماً من حكم «العدالة والتنمية») فهي الموضوع السوري، العلاقة مع دول المنطقة (مصر، ولبيبا والخليج) والعلاقة مع إيران. أما أولويات إسرائيل فهي العلاقة مع العرب، والنووي الإيراني، والفلسطينيون.
ليس هناك تفاؤل في الحكومة التي يشكلها بنيامين نتنياهو، فهو يحتاج إلى تعديل في النظام القضائي الذي يلاحقه، وبالتالي سوف يطلق العنان للجناح المتشدد لاسترضائه، والأخير سوف يذهب أكثر في قمع الفلسطينيين، وفي بعض أسباب وصول اليمين بهذا الهامش من الأصوات، فقد كان التفسير النشاط الفلسطيني الأخير، الذي أشاع التصعيد العنيف. قراءة المشهد الإسرائيلي من جانبيه يمكن أن يصل المتابع إلى القول، إن «الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني» يحكمهما «الخوف» من بعضهم بعضاً، وقد يكون خوف الفلسطيني من الإسرائيلي مبرراً، ولكن الملاحظ أن الأخير يخاف أيضاً من الأول؛ لذلك فإن فقد الثقة المتبادلة يرشح أن تستمر القضية في مكانها من دون أفق!
فتح النقاش لدور الطائرات المسيّرة عن بُعد في الاستراتيجية الحربية باباً واسعاً في كيف يمكن استخدام التقنية، التي صممت أساساً للعمل التنموي «كمثل رش المحاصيل ونقل المؤن ومحاربة الحرائق» إلى المجال العسكري، وما أن تم ذلك حتى أصبحت التقنية في هذا المجال تتقدم بشكل «خرافي»، فكلما صُنع جهاز مضاد لها تغلبت تقنيتها عليه، في قول إنها «سلاح الفقراء المقبل».
طبعاً موضوع المُناخ أخذ من اللقاء ما يستحق، واستغرب البعض كيف أن «كوفيد - 19» قد جعل العالم يقف على رجليه خوفاً، مع أن المعلومات الكارثية حول تغير المناخ وهي أشد لم تحشد لها لا الحكومات ولا الرأي العام، ولكن أصابني الفزع عندما علمت من المتخصصين أن درجة الحرارة في الخليج سوف ترتفع في ربع قرن سبع درجات (أي لا يستطيع الإنسان العيش) وأن مدينة البصرة سوف تختفي!
آخر الكلام:
منتدى صير بني ياس أهم المنابر تنظيماً وفكراً، فشكراً لشباب خارجية دولة الإمارات.
تعليقات