أحمد الصراف: الأمة الغائبة عن الوعي

زاوية الكتاب

كتب أحمد الصراف 484 مشاهدات 0


كان متواضع المنبت، ويعمل في «الرقية الشرعية»، التي لا تحتاج لدراسة أو شهادة، بل فقط ادعاء العلم بها. وقع المحظور حيث لقي مواطن كويتي، كان يعمل في وزارة الإعلام، حتفه على يده، بعد أن أوسعه ضربا لإخراج الجن من جسده.

أحيل الجاني للقضاء فحكم عليه بالسجن، لكن «ربعه» فزعوا له، وحصلوا على عفو من أهل المجني عليه، وعاد الرجل لسابق ميدانه، ولكن بثياب مختلفة، خاصة بعد أن تبنته قناة شهيرة، فصار إعلاميا وداعية، وممثلا، ومقدم برامج دينية، ومشاركا، أو معدا ومخرجا لمسلسلات دينية ركيكة، وأصبح، بنظر الجهال، نجماً.

أغلقت القناة التلفزيونية التي كانت تتبناه، لأسباب يطول شرحها، فاختفت الهالة من على رأسه، فعاد للوعظ، وجمع التبرعات من السذج، وساقه غباؤه أو غيظه ممن «أمر» بإغلاق القناة لأن ينضم لمعارضة الإفلاس ويسيء لقيادات سياسية عليا علنا، فتم تجريده من الجنسية!

تدخل «ربعه» للمرة العاشرة، وأعادوا الجنسية له، فعاد لسابق نشاطه، داعية وجامعا للتبرعات، ولو كانت أحواله تسمح لكان بين الفائزين في الانتخابات، فبعض عقول أمتنا تم تخريبها فأصبحت تصدق وتقبل وترضى بكل غريب!

* * * *

رياضي سابق، ومعالج كسور، أو مجبّر، امتهن أو احترف أو مارس على سبيل الهواية، علاج من يشكون آلاما في الرقبة أو الظهر.

لقيت محاولاته نجاحا، ثم تشجيعا، فتكرر ظهوره على القنوات الفضائية، وزاد عدد مراجعيه، فاضطر لتخصيص مكان في بيته لاستقبالهم، وأسماه عيادة، رافضا تقاضي أي مبلغ مقابل العلاج، لكنه لم يتردد في وضع صندوق عند الباب، لمن يريد أن يضع بداخله ما تجود به نفسه، ودخلت زوجته على الخط، ربما مع زيادة الدخل، وأصبحت تستقبل الحالات التي يرفض زوجها، تدينا، استقبالها!

توسع عمله، وأصبح نجما معروفا، واصبحت قنوات جاهلة تروج لعمله، ثم تطور الحال به، مع زيادة الثناء، فصدق نفسه أكثر وأصبح «متنبئا»، ثم تطور الحال أكثر وأكثر وأصبح يدلي بآرائه في مقابلات تلفزيونية تتعلق بعلاج أغلب الأمراض المستعصية، وأسرار قوة «الخاتم» وحبس الجن بداخله، وعلمه بوجود الجن الأبيض الطيب، والجن الأسود الشرير، وأن وجودهم في بيوت البعض أمر طبيعي. كما امتهن القراءة الدينية على المرضى والممسوسين، والحجامة، وشد العمود الفقري بآلات يفتخر أنها من صنعه، معلنا بكل جرأة عن «مشاويره الطبية» لاستخراج الجن من امرأة وابنها في هذه المنطقة او تلك، وفجأة، وربما مع العهد الجديد، قامت وزارة الصحة، بعد سبات عميق بإغلاق ما كان يسميه «عيادته»، فكيف فشل في التنبؤ بذلك؟

حتى الآن كل شيء طبيعي وعادت الأمور لمسارها الصحيح!

لكن المفاجأة كانت في اعتراض الكثير على قرار الإغلاق، ولم أتصور يوما أن بيننا كل هذا العدد من قليلي الإدراك والفهم الذين يطالبون بإبقاء عيادة من يستخرج الجن من الأجساد مفتوحة، لأنه لا يتقاضى أجرا، وكأننا نقول بأن لا مانع من قيام سائق تاكسي مصاب بالكورونا طالما أنه لا يأخذ أجرا!

لم يتساءل أي من المحتجين على إغلاق «العيادة» كيف يقوم شخص بتقديم العلاج دون ترخيص ولا تخصص ولا علم ولا فهم؟

ماذا لو توفي أحد تحت يده، كما حصل مع المشعوذ الأول؟

نحتاج لنفضة تعليمية وتثقيفية لتوضيح أمور تجاوزها الزمن!

تعليقات

اكتب تعليقك