د. حامد الحمود: ماذا ستكون أولويات النواب الإسلاميين؟
زاوية الكتابكتب د.حامد الحمود أكتوبر 5, 2022, 10:04 م 2944 مشاهدات 0
لو لجأنا إلى غوغل لمعرفة التيارات الفائزة في الانتخابات، لوجدنا على مدى دورات انتخابية متتالية العنوان التالي: الإسلاميون يحققون فوزا ساحقا في انتخابات مجلس الأمة الكويتي. وهذه الصيغة مأخوذة حرفيا من موقع France 24 في 3 فبراير 2012. وهناك صيغ مشابهة لهذا المعنى بعد كل انتخابات تجري في الكويت قبل هذا التاريخ وبعده.
هذا ولست متأكدا من عدد النواب الإسلاميين الذين يمثلون تيارات إسلامية في المجلس، الذي تم انتخابه في 29/09/2022. فصحيفة الرأي مثلا قدرت عدد نواب الإخوان بثلاثة، لكن هناك آخرين يقدرونهم بأربعة على الأقل، أما الإسلاميون المستقلون فيقدرون بأربعة. وهناك خمسة نواب شيعة على الأقل ملتزمون كذلك بتنظيمات إسلامية. لذا يمكن القول ان هناك على الأقل 15 نائبا ملتزمين، وخمسة متعاطفين معهم. مما يعني أن %40 من أعضاء المجلس هم من الإسلاميين، مع أن بعضهم متنافرون بالرغم من إسلاميتهم. وقد يتساءل القارئ: ما الهوية السياسية للآخرين؟ والحقيقة يمكن الادعاء أن الثلاثين نائبا الآخرين أو %60 من أعضاء المجلس هم كذلك إسلاميون ضمنيا، لكن أولوياتهم مختلفة عن أولويات التيار السلفي مثلا، والذي يبشر به الأخ النائب والوزير السابق أحمد باقر.
ففي مقاله: «كيف نقيم المجلس القادم... وعودة السلفيين» الذي نشر في «الجريدة» بتاريخ 03/10/2022، قدم النائب والوزير السابق أولويات لعمل المجلس، ركزت على أسلمة القوانين، وكأننا نعيش في بلد غير إسلامي، حيث يدعو إلى أنه: «يجب على الأعضاء أن يقوموا بعرض كل ما يقدم إليهم من اقتراحات على أحكام الشريعة الإسلامية»، ثم اقتبس نصاً من الدستور مؤيدا لهذا الرأي، حيث يقول النص: «إنما يحمل المشرع أمانة الأخذ بأحكام الشريعة ما وسعه». هذا وكان بودي لو قدم الأخ أحمد باقر توضيحا لما يود أن يصلحه في التشريع الكويتي ليتحول إلى إسلامي وفقا للرؤية السلفية للإسلام. هل يود مثلا أن تقطع يد السارق؟ أو أن يفرض على البنوك أن تعيد تسمية الفائدة إلى مرابحة؟ وما لفت نظري أنه لم يتطرق إلى إصلاحات تشريعية تهدف إلى النهوض بمستوى التعليم في الكويت، مع أن الأخ النائب والوزير السابق من المهتمين بشؤون التعليم، ويعرف جيدا المستوى المتدهور للتعليم في الكويت. وفي خاتمة المقال يهنئ السلفيين على نجاحاتهم، ويتأسف على غياب التشريعات الإسلامية والإيرادات المالية الإضافية. وأتساءل: ماذا لو حدث أن كانت التشريعات الإسلامية السلفية عائقا على زيادة إيرادات الدولة، وهو أمر يشكو من نقصانه؟
ومع هذا، أرى أن نجاح الإسلاميين في الانتخابات الأخيرة، هو أمر طبيعي ومتوقع، ويعكس الواقع الاجتماعي والسياسي. كما أن غياب تيار ليبرالي في المجلس كان متوقعا، بل في الحقيقة لم يكن هناك مرشح ليبرالي واحد. فالحركة الليبرالية الكويتية موجودة في الصحافة، لكنها غائبة عن العمل السياسي المنظم لعدم قدرتها على تنظيم نفسها. وكانت هناك محاولة لتنظيمها منذ اكثر من عشرين سنة من خلال «التجمع الديموقراطي» لكنها باءت بالفشل.
وأود أن أطرح تساؤلا على النواب جميعا والإسلاميين خاصة: هل أن انتشار الغش بين الطلاب في المدارس يتناسب مع القيم الإسلامية؟ وهل أنتم مستعدون لمصارحة قواعدكم الانتخابية بأن الكويت لن ترتقي إن أصبح هذا الغش أمرا اجتماعيا مقبولا؟ وهل ستصبح أولوياتكم عبارة عن نداء لفصل الطلاب عن الطالبات في الروضة مثلما نادى بذلك النائب شعيب المويزري. وذلك لكي لا يقلد الذكور من الأطفال استعمال الحمرة والمكياج من الإناث، وهل نتوقع منكم أن تنادوا كذلك بفصل الإخوان عن الأخوات لكي لا يقلدوا سلوكهن الأنثوي؟ هذا مع أن النائب شعيب المويزري ليس محسوبا على التيارات الإسلامية، وإنما كان يدغدغ مشاعر بعضهم. فالقيم الإسلامية تحث على أن يكون الفرد منتجا مبدعا في عمله، والرسول (ص) يقول «ان الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه». فمتى نتبنى مسارا تتحقق فيه هذه هذه القيمة من القيم الاسلامية؟ وهل سيكون اصلاح الاقتصاد ورفع انتاجية الفرد من اولوياتكم؟
وقد لاحظت أن مستوى التعليم المتدهور الذي تعاني منه الكويت كان غائبا عن الحملات الانتخابية، فهل سيبقى كذلك خلال فترة انابتكم عن الشعب في مجلس الأمة؟ وهل ستبقى هموم أعضاء اللجنة التعليمية مركزة على تقديم الخدمات للقاعدة الانتخابية من نقل معلمين ومعلمات إلى مدارس قريبة من بيوتهم؟
هذا ولعل أهم مسؤوليات المجلس القادم هي العمل على تطوير آلية لاختيار القيادات في الهيئات الحكومية والوزارات، آلية تؤدي في النهاية إلى اختيار الأكثر كفاءة خبرة وعلما. وأن تعمل الدولة على تحويل القياديين إلى مديرين حقيقيين يقودون مؤسساتهم وهيئاتهم ووزاراتهم مع إمكانية قياس أدائهم نسبة إلى الأهداف التي حددت لهم لإنجازها. فلن ترتقي الكويت إن استمر اختيار القيادات لمجرد أن هذا محسوب على فلان وهذا على علان. لابد من آلية واضحة للاختيار والترقي تفضي بأن يتحمل المسؤولية الكفوء القوي وأن يهابها المجامل الضعيف. فإذا أصبحت القيادة مجرد توقيع على خطابات، فإنه يمكن إلغاء هذه الوظيفة منذ البداية. القدرة على القيادة، والوعي بأن هناك أهدافا يجب أن تحقق، هي من أولويات الإدارة. هذا وندرك أن إنجاز نقلة نوعية في الإدارة في الكويت ليس بالأمر السهل، لكن تحويل البيروقراطيين إلى مديرين فعالين ضرورة لإحداث تغيير ملموس.
لقد شكل خطاب صاحب السمو ولي العهد بتاريخ 22 يونيو مسارا إصلاحيا هدف إلى احداث نقلة نوعية في الادارة ليتمكن الكويتيون من تحقيق اهداف واضحة. ان كان ذلك في الصحة او التعليم او الاسكان. وبإنجاز عملية انتخابية نزيهة تكون الكويت قد قطعت خطوة كبيرة من هذا المسار، لكن ولأن النظام السياسي في الكويت مزيج بين الملكية الدستورية والملكية المطلقة، فالمسؤولية لا يتحملها مجلس الأمة فقط. فالشعب ينظر إلى الحكومة أن تقود لإكمال المسار، وأن تبقى روح الخطاب السامي حية. وأن لا ينظر إليه مستقبلا بأنه كان إنذارا.
تعليقات