فهد العسكر المجدد في الشعر والرافض لقيود المجتمع

فن وثقافة

الآن 1021 مشاهدات 0


كتب رجا القحطاني

شاعر الكويت والوطن العربي الراحل فهد العسكر ، هو غني عن التعريف ومختلف عن جميع شعراء جيله بنتاجه الشعري المنعتق من المنزع التقليدي الصرف ،ذلك المنزع الذي كان سائداً بين الشعراء في تلك الفترة ، صحيح أنه التزم بعمود الشعر ،بيْد أنه طوّر بشكل واضح من أدواته الشعرية في التعبير عن معاناته الذاتية  وشكواه من تعنت المجتمع الذي لم يتقبل حرية الشاعر في ترجمة أفكاره ورؤاه الطليعية شعراً ، كما عبّر عن قضايا أمته العربية،
وللعسكر قول هو من أروع ماقيل في مدح الشهيد
وكـؤوس الردىَ يـطـوف بـهـا الهـولُ
فللّه    ســــكــــرة   النـــُدمانِ
كــلمــا صــفّــق العــلا لشــهــيــدٍ
هــتـف المـجـد للشـهـيـد الثـانـي

فهد العسكر المتوفي عام 1951 ، ولم يتجاوز الرابعة والثلاثين من العمر ، رغم فقدانه لنعمة البصر في فترة مبكرة من عمره إلا أنه تمتع ببصيرة نافذة مكّنته من استيعاب التراث الشعري العربي سماعاً إلى أن تفجرت موهبته شعراً متميزاً  وإبداعا فائقاً ،فصار  فهد العسكر مفخرة الكويت في مجال الشعر الفصيح.

لا شك أن شاعرنا لا يقلُّ منزلة عن كبار الشعراء في الوطن العربي، وكان يرسل  قصائده إلى بعض الصحف العربية وتحرص تلك الصحف على نشرها مقدرةً مكانة الشاعر،

لنقرأ له نصًّا شعريًّا وجدانيًّا رائعا، حشد من خلاله الكثير من عناصر الطبيعة والحياة متمنيًّا هو أن يتجسد في كل عنصر منها ، ربما ليتخلص من رتابة الواقع وقيود المجتمع أو لتتقاسم معه الطبيعة إحساسه الوجداني العميق،
وتعمد فهد العسكر أن ينوع في القوافي رغم اتخاذ القصيدة بحراً شعريًّا واحدا ، وذلك ماأشرنا إليه آنفا من أنه متمرد على النسق التقليدي في الشعر:

يا ليتني فوق الغصون حمامةٌ
لأنوح   بالآصال   والأسحارِ
علِّي أرى في الروض من يفضي
إليّ   بسرّه   وأبثّه   أسراري
أو أنّني بين النسائم  نسمةٌ
لأبشّر   الأطيار   في   آذارِ
وأطوف بعد الأرض آفاق السما
لأرى مكان حبيبيَ المتواري
يا ليتني  بين الورود  فراشةٌ
تروى الصدى من أكؤس الأزهارِ
حتّى إذا شفت الغليل تعطشت
للموت واندفعت بجوف النارِ
أو  أنني  يا فجرُ  قبّرةً  أرف
رِفُ في جناحي بالفضاء العاري
لأردد  النغمات  سكراناً بخمر
الحسن قبل تألّق  الأنوارِ
يا ليتني  بين الروابي  ربوةٌ
خضراء مشرقةٌ على الوديانِ
لأكون منبر كل طيرٍ صادحٍ
ويكون سفحي مسرح الغزلانِ
أو أنني وسط الحدائق جدولٌ
ينساب بين الورد والريحانِ
لترفرف الأطيار فوق مياههُ
سكرى ترجّع أعذب الألحانِ
يا ليتني طيرٌ لأسبح في الفضا
وأؤوب مغتبطاً مع الأطيارِ
أو بلبلٌ لأشنّف الأسماع بالن
غم الرقيق على ذرى الأشجارِ
أو أنني للعود أمسي ريشةٌ
لتمرّ بي الأيدي على الأوتارِ
لأبثّها شكوى الهوى فلعلّها
ترثي لحال العاشق المحتارِ
يا ليتني   يا ليتني   قمريّةٌ
لأئنَّ   بالإصباح   والإمساءِ
علِّي   أثير بقلب  كلّ  مليحةٍ
عطفاً على البؤسا من الشعراءِ
أو أنّني وسط الرياض خميلةٌ
لأعطّر   الأجواء   بالأشذاءِ
أو وردةٌ صاغ الربيع جمالها
لترشّني  الأصباح  بالأنداءِ
فلكم تراءى لي الخيال حقيقةً
فيخالني  الرائي صريع  عقارِ
فأفيق مذهولاً وأهتف من أنا
فأجاب مجنون  بعقر الدارِ
يا حبّ بين يديك نفسي تشتكي
أفما كشفت غوامض الأسرارِ؟
يا حبّ أحلام  الغرام  جميلة
رحماك فهْي قصيرة  الأعمارِ

تعليقات

اكتب تعليقك