جاسم الفهيد:حريق مستشفى الجهراء سيظل محفورا في الواح التاريخ

زاوية الكتاب

كتب 485 مشاهدات 0


من يطفىء حريقنا الاكبر ثلاث حرائق ستظل محفورة في ألواح التاريخ، حريق روما سنة 1964م الذي أودى بمشعل ناره الامبراطور نيرون بعد ذلك منتحرا، وحريق القاهرة 1951 الذي هيأ الطريق لثورة يوليو للإطاحة بآخر ملوك مصر، وحريق مستشفى الجهراء الذي سبب استقالة أول وزيرة كويتية! إذ لاتزال توابع هذه الحادثة المؤلمة تلقي بظلالها على المشهد السياسي في الكويت. وتأتي استقالة الدكتورة معصومة المبارك في هذا السياق لتمثل في الظاهر حلا سريعا للمشكلة في نظر كثيرين، وانتصارا سهلا لخصومها من النواب، وإن كان ذلك في الحقيقة لن يعدو مجرد امتصاص موقت لنقمة الشارع من سوء الأداء الحكومي والنيابي عبر جرعة مسكنة للألم سينتهي مفعولها سريعا! والحديث عن حريق مستشفى الجهراء قد أخذ نصيبه اللائق به من النقاش والتحاور، ولن يكون لدى كاتب هذه السطور أي شيء جديد ليضيفه بشأن مسببات الحادث، وطرق الوقاية مستقبلا منه، فقد قيل في ذلك الكثير مما لا حاجة إلى إزعاج القارئ بإعادته وتكراره. وفي محاولة لاستشراف المستقبل، والخروج من إسار دوامة الحدث المضطربة، علينا أن ننظر في ما بعد استقالة الوزيرة، وخمود نار الحريق، فيمكن القول إن ما حدث لا ينبغي أن يعالج بمعزل عن السياق العام الذي يشوب علاقة البرلمان بالحكومة، وهي علاقة متوترة دائما، الأصل فيها التعكر، وسوء الظن، وأما لحظات الصفاء والمهادنة فليست سوى محطات لالتقاط الأنفاس لمواصلة الصراع من جديد. ولا سيما أن هذه الاستقالة الحكومية ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، فللنواب الكرام شهية عارمة ليكروا على بقية حبات المسبحة الحكومية المتخلخلة! باختصار، وتفاديا لأي أزمة مستقبلية يمكن القول انه لا سبيل إلى تشكيل حكومة قوية فاعلة ما لم تنل ثقة البرلمان، وفي حال تم تجاهل ذلك فإن النواب لن يدخروا وسعا في وضع العصي في دواليب الحكومة مهما حاولت أن تكون إصلاحية ملائكية، وللحقيقة فإن أي مرشح لتولي أي حقيبة وزارية لن يمنح فرصة زمنية كافية لإصلاح فساد وزارته الذي تعجز عن حمله الجمال، فالنواب الكرام سيلوحون بتهديده بالمساءلة والاستجواب قبل أن يجف حبر قرار تكليفه بالوزارة! إذن فما السبيل إلى الحل؟ وفق الوقائع المشاهدة فإن الوزير الذي يرغب في الاستمرار في منصبه الوزاري لن يجد مناصا من مطاوعة رغبات النواب، وتمرير معاملاتهم المعوجّة(!) ليكسب رضاهم، في ظل آلية عمل برلماني علينا أن نعترف بكل شجاعة بعجزها عن تحقيق حلم الإصلاح بعيد المنال. فيا ترى أيكون الحل بتشكيل الحكومة وفق ديموقراطية الأحزاب لتحوز بذلك الأغلبية البرلمانية ومن ثم تتمكن من إنجاز برنامجها الحكومي من دون أن يفلح صراخ معارضيها في عرقلة أدائها؟ ربما يكون الحل كذلك وربما لا يكون، غير أن الحقيقة الواضحة الآن كوضوح الشمس تؤكد أننا بتنا بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في الآليات والنظم التي تضبط مسار العلاقة التفاعلية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فسفينة الإصلاح لا يمكن أن تبحر آمنة في بحر الظلمات ما دام يتنازع دفة قيادتها ربابنة متشاكسون يتربص كل منهم بالآخر، متصيدا الهفوة والزلّة، أما آن لنا أن نتساءل مستجدين مستعطفين: من يطفئ حريقنا الأكبر؟! د.جاسم الفهيد
الوسط

تعليقات

اكتب تعليقك