الخليفة عمر بن عبدالعزيز وشعراء المديح
فن وثقافة#قصة و #شعر
قصة وشعر مارس 13, 2022, 12:17 م 415 مشاهدات 0
يُعرف عن الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز أنه مثال ساطع للوَرَع والزهد والعدل ، ولذلك سُمِّى خامس الخلفاء الراشدين ، وحين تولى الخلافة سنة تسع وتسعين للهجرة وفد عليه كثيرٌ من شعراء الحجاز والعراق، فكان فيمن حضر نصيب، وجرير، والفرزدق، والأخطل، وقد ترددوا على بابه أيَّاماً، فلم يأذن لأحد منهم في الدخول عليه؛
وإنما كان يأذن للقراء والفقهاء وأهل الورع والوعَّاظ ويبعث في طلبهم.
فلما استيأسوا أزمعوا على الرحيل، فمرَّ بهم رجاء بن حيوة وكان من خطباء أهل الشام، وله على عمر دالة فقال له جرير:
يا أيها الرجلُ المُرخي عمامته
هذا زمانُك فاستأذن لنا عُمرا!
فدخل رجاء، ولم يذكر شيئاً من أمرهم لعمر!
ثم مرَّ بهم عديُّ بن أرطاة؛ فقال له جرير:
أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه
أنِّي لدى الباب كالمصفود في قَرَن!
لا تنس حاجتنا لُقِّيت مغفرةً
قد طال مكثي عن أهلي وعن وطني!
فلما دخل عديٌّ قال: يا أمير المؤمنين، الشعراء ببابك، وسهامهم مسمومة، وأقوالهم نافذة،
فقال عمر: ويحك يا عديُّ، مالي وللشعراء؟
قال: أعز الله أمير المؤمنين ؛إن رسول الله “قد امتُدِح فأعطى، ولك في رسول الله “أسوة.
قال عمر من بالباب منهم ؟!
قال: عمر بن أبي ربيعة؛ فقال عمر: أليس هو الذي قد قال:
ثم نبهتها فهبت كعاباً!
طَلْقَةًما تُبِيْنَ رَجْعَ الكلام!
ساعة ثم إنها بعدُ قالتْ
ويلنا قد عجلتَ يابن الكرام
أعلى غير موعد جئتَ تسعى
تتخطى إلى رؤوس الأنام؟!
ما تجشَّمت ما تريد من الأمر
ولاحييت طارقاً لخصام!
قال: نعم.
فقال عمر: لو كان عدوَّ الله إذ فَجَرَ كَتَمَ نفسه، والله لا يدخل عليَّ أبداً.!
ثم قال: ومن بالباب غيره؟
قال: الفرزدق.
قال: أليس هو الذي قد قال:
هما دلتاني من ثمانين قامة
كما انقضَّ بازٌ أقتمُ الريش كاسره!
فلما استوتْ رجلاي في الأرض قالتا
أحيٌّ يُرجى أم قتيل نحاذره!
قال: نعم، قال: والله لا يطأ بساطي!
فمن سواه بالباب؟
قال: الأخطل.
قال: أليس هو الذي قد قال:
ولست بصائمٍ رمضان طوعاً
ولست بآكل لحم الأضاحي
ولست بزائر بيتاً بعيداً
بمكة أبتغي فيه صلاحي
ولست بقائمٍ كالعبد أدعو
قبيل الصبح حيَّ على الفلاح!
ولكني سأشربها شمولاً
وأسجد عند منبلج الصباح!
قال: نعم
قال: والله لا يدخل عليَّ وهو كافر، فهل سواه بالباب؟
قال: جرير بن عطيَّة.
قال: أليس هو الذي قد قال:
طرقتك صائدةُ القلوب وليس ذا
حين الزيارة فارجعي بسلام!
وقبل أن يتم قوله قال عدي: يا أمير المؤمنين أحرزْ لي عرضي منه؛ فأذن له عمر فدخل وهو يقول:
إن الذي بعثَ النبيَّ محمداً
جعل الخلافةَ للإمام العادل
ومع الخلافة عدلُه ووقارُه
حتى ارعوى وأقام ميلَ المائل
إني لأرجو منك خيراً عاجلاً
والنفس مولعةٌ بحب العاجل
فقال له عمر: يا جرير اتق الله، ولا تقل إلا حقَّاً، فأنشأ يقول:
أأذكر الجهدَ والبلوى التي نزلتْ
أم قد كفاني ما بُلِّغْتَ من خبري؟!
كم باليمامة من شعثاء أرملة
ومن يتيم ضعيفِ الصوت والنظر
ممن يعدُّك تكفي فقد والده
كالفرخ في العشِّ لم ينهض ولم يطر!
هذي الأرامل قد قضيت حاجتها
فمن لحاجةِ هذا الأرمل الذكر؟!
إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا
من الخليفة ما نرجو من المطر!
الخير ما دمت حيَّاً لا يفارقنا
بوركت يا عمرَ الخيرات من عمر
زِنْتَ الخلافة إذ جاءت على قدر
كما أتى ربه موسى على قدر
فلما فرغ من شعره ترقرقت عينا عمر، وقال: إنك لتصف مشقَّتك،
قال جرير: ما غاب عنِّي وعنك أشد!
فجهَّز عمرُ إلى الحجاز عِيراً تحمل الطعام والثياب،
ثم قال عمر لجرير: أأنت من المقاتلين في سبيل الله؟
قال: لا!
قال: فلا أرى لك في الفيء الذي عندنا حقَّاً!
فقال جرير: بلى يا أمير المؤمنين قد فرض الله لي فيه حقَّاً!
قال عمر: وكيف ذاك؟
قال: إني ابن سبيل منقطع!!
فأمر له بعشرين ديناراً من ماله،
ثم قال له: خذ هذا الذي بقي لي ؛وإن شئت فاحمد، وإن شئت فذم.!
قال جرير: بل أحمد يا أمير المؤمنين!
فلما خرج تلقَّاه الشعراء؛ وقالوا له: ما وراءك؟
قال: ليلحق كل منكم بمطيته؛ فإنه رجل يعطي الفقراء؛ ولا يعطي الشعراء.
تعليقات