تاريخ المسرح في الخليج العربي

لا شك أن للمسرح أھمیتھ البالغـة فـي تثقیـف المجتمـع، وابـراز قضـایاه العامـة ومحاولـة معالجتھـا وفقـاً لرؤیـةالمؤلف المسرحي، ولقد ظھر المسرح منذ عصر الإغریق، وما تزال بقایا مسارحھم الحجریة ماثلة حتى الآن.

وفي عالمنا العربي كانت ومازالت مصر ھي الرائدة في فن المسرح العربي، بما ینطوي علیھ مـن مفـاھیم فنیـة وفكریة وأدائیة، وقد عرفت مصر المسرح منـذ أواخـر القـرن التاسـع عشـر، وكـان للمسـرح المصـري تـأثیره الكبیر على نشوء المسرح في منطقة الخلیج، حیث ظھرت البوادر الجادة للمسرح الخلیجي فـي منتصـف القـرن الماضي، وصحیح ان تلك البدایات كانت متواضعة فیما یتعلق بالنصوص والإمكانـات المادیـة المختلفـة، إلا ان المسرح الخلیجي سرعان ما تطور وسار في منھجیة فنیة صحیحة، وقد عبرت الحركة المسرحیة الخلیجیة عن تطلعھا الفني، واستلھامھا النشط للأعمال العربیة والعالمیة من خلال الترجمة إلى اللھجة المحلیة.

• نشأة المسرح الخلیجي :

وفي العربیة السعودیة ظھرت أولى المحـاولات المسـرحیة مـن خـلال انشـطة المـدارس عـام ١٩٣٢م، إلـى ان أسس أحمد السباعي أول مسـرح متكامـل عـام ١٩٦٠م، إلا انـھ تـم إغلاقـھ سـریعاً لأسـباب سیاسـیة واسـتمرت التجارب المسرحیة البسیطة في نطاق النشاط الطلابي، إلى ان تم إنشـاء قسـم الفنـون المسـرحیة التـابع لرعایـة الشباب عام ١٩٧٠م.

وفي قطر ظھرت أول فرقة مسرحیة منظمة باسم المسرح القطري عام ١٩٧٢م، وقد شاركت فـي المھرجانـات المسرحیة العربیة، وقبل ذلك كانت ھناك تجارب مسرحیة في إطار الأندیة الأدبیة والنشاط المدرسي.

وفي عمان ظل المسرح المدرسي بإمكاناتھ المتواضعة ھو النشاط السائد منذ بدایـة سـتینات القـرن الفائـت، قبـل انشاء مسرح الشباب عام ١٩٨٠م، وقد ضم أول فرقة مسرحیة متخصصة، إذ قدمت مسـرحیة "تـاجر البندقیـة" لشكسبیر، "وكانت تجربة عملیة مفیـدة للغایـة"٢، وبـدا واضـحاً تـأخر ظھـور المسـرح بعناصـره المتكاملـة فـي عمان.

وفي الإمارات وتحدیدًا الشارقة عُرف المسرح من خلال الأندیة الأدبیة والأنشطة المدرسیة عـام ١٩٥٣م، إلـى أن ظھر المسرح المتكامل عام ١٩٦٣م من خلال مسرحیة "سامحیني" التي ألفھـا وأخرجھـا واثـق السـامرائي، وفي عام ١٩٧٧م استعانت وزارة الثقافة في أبو ظبي بالمخرج الكویتي صقر الرشود الذي كـان متألقـاً بأعمالـھ المسرحیة في الكویت، وقد ترك الرشود بصمات تجدیدیة واضحة علـى المسـرح الإمـاراتي، فـأخرج مسـرحیة س النھار" عام ١٩٧٧م، ومسرحیة "السندباد" عام ١٩٧٨، ولم یمھلھ الأجـل لیسـتكمل عملـھ ھنـاك، حیـثتوفي اثر حادث سیر في دولة الإمارات عام ١٩٧٨م.

وفي البحرین تجلت البوادر الأولى للمسرح عام ١٩٢٥، من النشاط المدرسي، وكانت تجـارب بدائیـة اجتھادیـة تدور أحداثھا حول شخصیات التراث الإسلامي.
وفي أربعینیات القرن العشرین حلّت الأندیة الأدبیة محل المدارس في تقدیم الأعمال المسرحیة، ومنذ تلك الفترة بدأ المسرح البحریني یتخذ المسار الصحیح بنصوصھ المكتوبة ومعالجاتھ الفنیة الصـائبة، حتـى وصـل إلـى مـا وصل إلیھ في المرحلة الحالیة، في ظل الرؤیة الحداثیة، وتوافر المسارح الحدیثة.

• المسرح في الكویت:

المسرح الكویتي ھو النموذج الأمثل للحركة المسرحیة الخلیجیة، فقد تم تقدیم أول عرض مسـرحي فـي الكویـت عام ١٩٢٢م، وذلـك فـي حفـل اختتـام العـام الدراسـي لمدرسـة الأحمدیـة،٣ تلـك المحاولـة علـى بسـاطتھا تلتھـا محاولات أخرى وإن اتسمت بالطابع التعلیمـي والترفیھـي، وفـي تلـك الفتـرة لـم تكـن قـد أُنشـأت المسـارح فـي الكویت، وفي عام ١٩٣٩ احتضنت ساحة مدرسة المباركیة عر ًضا تمثیلیًا عن عمر بـن الخطـاب، وقـد أشـرف على ھذا العرض وشارك فیھ حمد الرجیب الذي كان لھ دور بارز في بدایات المسـرح الكـویتي، لكـن المسـرح بدأ ینحو منحى تجدیدیًا منذ أواخر أربعینیات القرن الماضي على ید محمد النمشـي الـذي اجتـذب الجمھـور مـن خلال الأعمال المسرحیة الارتجالیة ذات الطابع الكومیدي.

فلم یكن ھناك نص مكتوب، بل أن الممثل یتلقى العناوین العامة لدوره، فیكملھا بارتجالـھ للحـوار، ومـن اللافـت للنظر التواءم الأدائي بین الممثلین في الارتجال.

وقد نظم النشمي أول فرقة مسرحیة خارج نطاق الساحة المدرسیة، باسم المسـرح الشـعبي،٤ ولـم یكـن العنصـر النسائي متواف ًرا آنذاك لأسباب اجتماعیة، مما اضطر بعض الممثلـین إلـى القیـام بـأدوار نسـائیة یتطلبھـا الـنص المسرحي، وبعد انضمام الفرقـة إلـى وزارة الشـئون الاجتماعیـة، طلبـت منھـا إدارة المسـارح الالتـزام بـالنص المكتوب، وتسبب ذلك القرار بتسرب الكثیرین من المسرح الشعبي رفضاً للقرار.

• تطور المسرح الكویتي:

كانت القفزة الكبـرى فـي تطـور المسـرح فـي الكویـت علـى یـد المخـرج المصـري الكبیـر زكـي طلیمـات عـام ١٩٦١م، إذ تم الاستعانة بھ بصفة رسمیة لإنشاء مسرح عربي في الكویت بأسالیب فنیة حدیثة، في ذلـك الوقـت تم إشھار فرقة "المسرح العربي" بقیادة طلیمات، وكان النشمي من المشككین بجدوى تلك الخطوة ورآھا تشـكل خط ًرا على المسرح الارتجالي، وفي النھایة ترك مجال المسرح، بینما تمكن طلیمات من إظھـار إمكانیـة كبیـرة في تأسیس مسرح یقوم على قواعد علمیة وأكادیمیة،٥ وكانت الراحلة مریم الغضبان، ومریم الصالح أول فتاتین انضمتا إلى فرقة "المسرح العربي" الذي قدم أول مسرحیة لھ وھي "صقر قریش" ،وكـان مـن ضـمن الممثلـین فیھا الراحل الكبیر عبدالحسین عبدالرضا الذي جاء بدیلاً لممثل آخر، في تلك الاثناء ظھر إلـى الوجـود مسـرح

الثالث ھو "المسرح الوطني" وقد اصبح اسمھ لاحقاً مسرح الخلـیج العربـي عـام ١٩٦٣م، وكـان یقـوده المخـرج المتمیز الراحل صقر الرشود، وقد قدمت فرقتھ أعمـال مسـرحیة ناجحـة، وكانـت للرشـود أفكـار فنیـة متفـردة، تجلت في اخراجھ لرائعتھ "علي جناح التبریزي وتابعھ قفة" التي قدمتھا فرقة المسرح الأھلي وكان الرشـود قـد تعاون مع ھذه الفرقة، وحصلت المسرحیة على جائزة مھرجان دمشق المسرحي عام ١٩٧٥، ومن أبطـال تلـك
المسرحیة محمد المنصور وغانم الصالح.

• استمرار الحركة المسرحیة في الكویت:

بعد مرحلة زكي طلیمـات تتابعـت الفـرق المسـرحیة فـي الظھـور، وتـم تكویـت ومسـرحة العدیـد مـن الأعمـال الروائیة العالمیة والعربیة بطاقات كویتیة خالصة، إلا ان المسرح الكویتي بدأ بالتراجع منـذ مرحلـة التسـعینیات المیلادیة بعد دخول المسارح "التجاریة" على الخط، حیث ظلت تقدم أعمالاً مسـرحیة ھابطـة ھـدفھا الإضـحاك والكسب المادي فحسب، ولیس الإضحاك مع تقدیم قیمة فكریة أو فنیة، خاصـة بعـد رحیـل العدیـد مـن الممثلـین المخضرمین، وانكفاء آخرین لانعدام النصوص المسرحیة المناسبة.

المصادر / المراجع:-

1. المسرح الخلیجي – د. محمد حسن عبدالله – ١٩٩٦م – ص١٧
2. المصدر السابق – ص١٩ 
3. مقال لمحمد العیدان بعنوان "المسرح في الكویت – الموقع الالكتروني لشبكة الدراما والمسرح الكویتیة الخلیجیة". بتاریخ ٢٠٠٩/٥/٢٨ 
4. المصدر السابق -المقال
5.  مصدر سابق -المقال