داهم القحطاني: الدبابة التي تسحق كل من يعترضها

زاوية الكتاب

كتب داهم القحطاني 287 مشاهدات 0


لنكن صرحاء فمواجهة مافيا تجارة الإقامات تتطلب إرادة سياسية لدى الحكومة، فحجم مداخيل هذه المافيا سنويا، التي تبلغ نحو مليار دينار كويتي، بمنزلة دبابة مصالح تسحق كل من يعترض طريقها.

ومواجهة هذه المافيا تشبه تماما مواجهة مرض السرطان الخبيث، فقد تسللت تجارة الإقامات إلى كل شيء في حياتنا. ففي القوانين نجد ما يخدمها، وفي الشخصيات العامة نجد من يبرر لها باسم الدفاع عن الاقتصاد، وفي المواطنين من هو للأسف متورط في معاملاتها الحرام، وفي أوساط العامة من يعتبر أن هذه التجارة وفرت للكويت العمالة الرخيصة التي تقلل من كلفة كل شيء، سواء في الخدمات العامة، أو تكاليف بناء المنازل، أو غير ذلك.

في الوقت نفسه، يستغل أساطين هذه المافيا حاجة الاقتصاد الكويتي للعمالة الماهرة المدربة فيدعون عبر كتابهم، وحساباتهم الإلكترونية، وأحيانا عبر شخصيات عامة أن القوانين والقرارات التي تصدر أو ستصدر بشأن تنظيم إقامة الوافدين ستضر الاقتصاد الكويتي، وتهدمه، ويتعمدون بأساليبهم المتعددة رفع سعر خدمات معينة أو سلع معينة لخلق رأي عام شعبي يعمل بعفوية ضد هذه القرارات.

الجزء الأخطر من تجارة الإقامات أنها تفتح الباب لمئات الألوف من العمالة المهاجرة التي تدفع آلاف الدنانير للحصول على إقامة في الكويت من دون فعل لتبذل كل ما تستطيع من جهد وعمل قانوني أو غير قانوني لاسترداد ما دفعته من أموال وتعويض خسارتها بأي طريقة.

هنا تتحول الكويت وأرضها وشعبها ومرافقها وثروتها إلى موجات خطيرة من مئات آلاف اليائسين الباحثين عن الأموال في دولة مليئة بالنفط والثروات. نتفهم أن العمالة المهاجرة التي تمول تجارة الإقامات بمئات الملايين من الدنانير من أجل الحصول على إقامة ليست كلها تمارس أعمالا محرمة أو مخالفة للقانون، وحتى من يقوم بتلك المخالفات منهم لا يقصد الكويت وشعبها تحديدا، لكنه وجد ما يعتبره فرصة واستغلها، وهو يجد أن كل ما يقوم به مشروعا طالما أنه سيسترد أمواله ويضيف إليها مصدر دخل مستمر.

الصورة اتضحت الآن، فمافيا تجارة الإقامات في الكويت لديها قوة كبيرة، ونفوذ غير عادي بسبب حجم الأموال الضخمة التي تحصل عليها هذه المافيا، والأمر هنا لا يحدث بشكل عفوي أو غير مخطط له. 

المطلوب، وببساطة، أن يتعامل مجلس الوزراء مع هذه القضايا بإرادة سياسية لا تخضع للضغوط، ولا تتراجع أمام الرأي العام، فللأسف الرأي العام أحيانا يكون خاضعا للتضليل، أو يكون مستفيدا من التكاليف القليلة التي يتحملها مقابل الخدمات التي يقدمها جزء من العمالة المهاجرة التي تمول تجارة الإقامات.

تبقى أن يكون واضحا للمواطنين قبل الحكومة بأن العدد الضخم للعمالة الوافدة التي تأتي بغير تنظيم يكلف الدولة ملايين الدنانير من الخدمات والدعوم، ما يؤدي للضغط على الخدمات الصحية، وعلى المرافق العامة.

وأبسط مثال لذلك سعر الدعم الذي يقدم في الوقود، ففي كل مرة يقوم وافد بتعبئة خزان سيارته بالوقود، لنقل 40 ليترا، فإن الدولة تدعمه بما لا يقل عن دينار ونصف الدينار عن المرة الواحدة، على اعتبار أن سعر الليتر الحقيقي للبنزين يبلغ أكثر من 85 فلسا، فلماذا تتحمل الدولة التي تعاني من شح في السيولة، وتناقص في الموارد المالية هذا القدر الهائل من الدعم لعمالة مهاجرة قد لا تحتاجها الكويت بالأصل، أو يفترض أن يقوم أصحاب العمل بتحمل كلفة هذا الدعم ضمن نظام تعويض يدخل في عقد العمل.

تنظيم سوق العمل، وتطهير الكويت من سرطان تجارة الإقامات يتطلبان عملا وطنيا ومؤسسيا خالصا لوجه الله، ثم لبلدنا الكويت، التي تعاني، وبشدة، من قدرة مافيا تجارة الإقامات على التحكم في سوق العمل وقوانينه وقراراته وخفاياه.

تعليقات

اكتب تعليقك