د. محمد المقاطع: مفاوضات أم... مساومات؟
زاوية الكتابكتب د. محمد المقاطع أكتوبر 6, 2021, 9:30 م 440 مشاهدات 0
الكويت تعيش حاجة ملحّة منذ فترة من الزمن إلى مصالحة وطنية شاملة، مصالحة تؤدي إلى طيّ ملفات أرهقت البلد سياسياً وشعبياً واقتصادياً واجتماعياً، نجمت عن فترة تفرّدت فيها السلطة بإدارة شؤون الدولة وبالقرار فيها وتم على أثرها تقييد الحريات بل ومصادرتها أحياناً من خلال التشريعات الظالمة التي أصدرها مجلس الأمة كما هو الشأن في قوانين الجرائم الإلكترونية، وجرائم المرئي والمسموع، وتم أثناءها أيضاً ملاحقة الكثير من أصحاب الرأي ومن السياسيين، الأمر الذي أدى إلى ظاهرة جديدة لم تكن معروفة في الكويت سابقاً، ألا وهي ظاهرة "السجناء السياسيين" أو ظاهرة "المهجرين"، والتي بدأت تزداد يوماً تلو الآخر حتى وصلت إلى أرقام لا يمكن تصديقها لبلد صغير مثل الكويت، كما أنها شهدت، أي تلك الفترة، إفراغاً للسلطات من أدوارها الطبيعية وشلّ مؤسسية الدولة وأجهزتها، وسادت محل ذلك حالات من السيطرة والاستحواذ السياسي أو التنفيذي، والذي تعاونت فيه أطراف سياسية عديدة وتمكنت من التحكم في مفاصل الدولة في جميع شؤونها، وقد أسعفت تلك الأطراف في تحقيق سيطرتها حالة الضعف والتشتت السياسي السائد لدى القوى السياسية والمجتمع المدني الذي كان دائماً يلعب دوراً مهماً للتوازن في الكويت، إلى جوار غياب التوازن السياسي والاقتصادي في الأطراف التي كانت تحافظ على تلك المعادلة طوال عقود سابقة، وقد أفرز كل ذلك مجلسَي أمة متتاليين وانتخبا عامي 2013 و2016 على التوالي، وقد كان كلاهما من أسوأ المجالس التي شهدتها البلاد طوال تاريخها، بمساومتهما على ثوابت البلد ومكاسبه ودستوره وحرياته، فتحقق ذلك التراجع المخيف في السنوات القليلة الماضية، وقد تزامن مع ذلك تراجع في الحريات الصحافية والإعلامية، وهو ما أوجد حالة من الذعر والخوف لدى الصحف المحلية، والتي تراجعت عن دعمها للحريات والنظام الديموقراطي كما كانت تفعل في الماضي.
في أعطاف كل تلك الظروف والمعطيات، تولّدت الحاجة الملحّة إلى مصالحة وطنية، خصوصاً مع تفاقم الأزمة السياسية والتي انعكست في مجريات أعمال مجلس الأمة، حيث توجد أغلبية كاسحة تمّ تجريدها من مكنة التصرف والقرار رغم أنها تمثل ثلاثة أخماس أعضاء البرلمان المنتخبين، وحكومة غير متعاونة قفزت على أحكام الدستور وتجاوزت ركائزه الراسخة كما حدث في شأن ما يُسمى بالاستجوابات المزمعة، وفي ظلّ مثل هذا الجو السياسي، وُئِدت ملفات عديدة، وعلى رأسها تحقيق العفو وإطلاق الحريات وإصلاح النظام الانتخابي، وتراجعت القيم والحسّ الوطني وانتشر الفساد وزادت جرائم الاعتداء على الأموال العامة، فكان لزاماً أن تتم مصالحة وطنية.
وما يتم اليوم تحت مسمى "حوار وطني" هو تسمية لا تتفق مع الحقيقة، فالحوار له طبيعته وشروطه وأطرافه وموضوعاته التي لا تصدق على ما يتم اليوم، إذ إن ما يتم اليوم هو مساومات سياسية أو ربما يعتبر مفاوضات سياسية لحلحلة أزمة سياسية أكثر منه حواراً وطنياً شاملاً، ومع ذلك نأمل أن يتمخّض عن هذه المفاوضات حلّ حقيقي يحقق مصلحة الوطن والمواطنين ويطوي كل الملفات التي أرهقت وترهق البلد، وعلى رأسها إعادة الاعتبار للسلطات ومؤسسية الدولة وإطلاق الحريات وتحقيق العفو العام.
تعليقات