حسن العيسى: لم يتغيروا وعلى طمام المرحوم
زاوية الكتابكتب حسن العيسى سبتمبر 11, 2021, 9:43 م 708 مشاهدات 0
كتب سيمون سميث في كتابه "الكويت 1950 - 1965" فقرة نقلها عن الباحث جاكسون فيها عبارة تقول "... إذا كنت غنياً في بيئة فقيرة فلا بدّ أن تعيش في خطر"، الكويت كانت البلد الغني في بيئة فقيرة، فلا بدّ أن يحيط بها الخطر، لكن كيف كانت تنأى بنفسها عن هذا الخطر؟ الإجابة هي بـ "دبلوماسية الدينار"، أي تقوم الدولة بشراء رضا الدول القوية "نسبياً" عبر القروض الميسّرة والمساعدات المالية.
"فمثلاً كان اعتراف العراق بالكويت في حدود سنة 32 بثمن قرض دون فوائد بثلاثين مليون جنيه إسترليني"، ويضيف سميث نقلاً عن الكاتب ذاته: "... إذا كان هناك طاعون غامض قد يتسبب في قتل جميع الكويتيين بالغد، فسوف يستمر الاقتصاد بنفس الطريقة التي يسير بها في الوقت الحاضر".
بكلام آخر، يؤكد الكاتبان أن الدولة ليست سوى بايب نفط فقط، ويسير على بركته، ولا يهم أي اعتبار آخر، وإذا كانت دبلوماسية الدينار تسترضي دول الخارج لسلامة الدولة الكويتية، فهذه السياسة تكرّست في الداخل بشراء الولاءات من الناس، أي توزيع الهبات بكل أشكالها لكل فئة من المجتمع، وحسب درجة الارتباط والقرب من السلطة الحاكمة، أراض وامتيازات في توزيعها وتأجيرها وتكريس سلطة احتكار قلة عبر بوابة الوكيل الوحيد العام للطبقة العليا، أما ما دونها فكانت الوظيفة العامة برواتب جيدة وكوادر مالية متعددة، وكلها في النهاية صور من الريع المرضي، التي تنتهي بحكمة تستهويها السلطة حين يردد الناس عبارة "الله لا يغيّر علينا".
الكويت من 1950 حتى 1965 عاشت عصرها الذهبي، تخللته بقع سوداء عام 1959 في ذكرى الوحدة العربية، حين أُغلق نادي الخريجين ونادي المثقفين ونادي الاتحاد العربي، وينقل مؤلف الكتاب سميث عن هالفورد بشأن سيكولوجية نظام الحكم ملاحظة "... إذا كان الحكام التنويريون أمثال المغفور له الملك فيصل، ملك العراق، يواجهون نفس المصير الأسود كمعظم الطغاة الإقطاعيين، فقد يبدو أنه لا حاجة لتشجيع الشعب بتوقّع المزيد من الحريات السياسية...".
مضى أكثر من نصف قرن على ذلك التاريخ، فما الذي تغيّر جوهرياً في قضية الحريات العامة والخاصة؟ الأسماء، والعناوين "كدلالات" تبدلت... دستور، وقوانين حديثة، ومجالس نيابية... إلخ. لكن المضمون (المدلولات) لم يتغيّر، العقلية التي تدار بها الدولة هي ذاتها... ولو انقلبت أحوال العالم والدنيا رأساً على عقب، فالجماعة الحاكمة لا يأبهون لما يحدث في العالم، ولا الأكثرية من الشعب تهتم للحداثة التنويرية بمضامينها في المساواة بالحرية الإنسانية في الجنس والعِرق والطائفة... الكل على طمام المرحوم.
تعليقات