محمد المقاطع: غربة الوطن بين أبنائه

زاوية الكتاب

كتب د. محمد المقاطع 735 مشاهدات 0


وطني الشامخ وطني العزيز، وطني الذي ما مثلك وطن، أكتب إليك رسالة هامة، ويخيّم عليّ حزن، وتدمع عيني لحالك، ويبقى قلبي يخفق بشموخك، وحبك يمدني بالقدرة على التفاؤل. أكتبها إليك يا وطني الكويت، رسالة حب واعتذار وفرح وتفاؤل.

أما الحب فهو حق لك علينا، فقد ترعرعنا في ربوعك محاطين بحنوك دون أن يكون لدينا تزلف للسلطة، أو رهبة منها، أو طمع في عطاياها المبذرة، وهو ما حفظ لنا كرامتنا، وزادنا اعتزازاً بأنفسنا، ومنحنا بحبوحة من الحرية السياسية، فتكرس بقيمك، وتمسكنا بك أننا شركاء في إدارة البلد، رضي من رضي، وأبى من أبى، بديموقراطية حقة، رغم ما تمر بها من عثرات، ويُحبَك حولها من تربصات، فديموقراطيتنا لا يُستهان بمزاياها، وتحققت لنا بها نعمة في التواصل الاجتماعي، فمنبعه تلاقي أصالة الإسلام مع عراقة قيم العروبة في بوتقتك يا وطن. وفيك أفاء الله علينا بعيش رغيد فياض، وأمان راسخ لا يُستعاض.

أما الاعتذار فهو قد حق لك علينا عن غربتك بين أبنائك ممن يعتاش عليك -وما أكثرهم!- باسم المنصب أو العضوية البرلمانية، التي هي في حقيقتها مسلكهم لابتزازك بمشهد سياسي وضيع، وهم خواء، فأدوات المساءلة السياسية قد عطلت ونزعت من أساسها، وصارت المساءلة غايتها ضربك، وهدم مؤسساتك، وتدمير مشاريعك، إلا ما ندر، حتى إن صراع الجادين من أبنائك لتحقيق مصالحهم هو محركهم، والأخطر أولئك الذين يتاجرون بالوطنية حتى أزكم فسادهم أجواءك الزكية بتشريعات ارتجالية، ورقابة منزوعة، ووطنية زائفة، بل تفوح منهم طائفية مقيتة، أو قبلية مريضة، أو فئوية متعالية، فظهر لدينا مجلس هزيل تلو الآخر، ولما اشتد عوده عطل بتنقيح واقعي للدستور، وقد تم إيذاؤك من تجار لم يحافظوا على تاريخهم وطارئين أمثالهم، فجميعهم يبيعونك كل يوم في أقرب سوق، وبأول مقايضة، ولا يضعون من حر أموالهم ما ينميك ويطورك، حتى صارت مؤسساتك عرضة لتملك الأجانب حتى في مشروعاتك الحيوية، فتباً لهم جميعاً لعقوقهم لك.

أما التعزية فهي لعدم مصداقية شعارات الإصلاح، التي تتزين بها خطابات الحكومة والسياسيين، فبعد أكثر من ثلاثين عاماً من فرحة التحرير حتى اليوم ومشكلات الوطن من سيئ إلى أسوأ، فالتركيبة السكانية لحقها خلل أبلغ مما كانت عليه، وهي برهان على تلاشي شعار الإصلاح، والبطالة الفعلية صارت واقعاً بنسب عالية، والبنية التحتية تآكلت، وتنذر بانهيارات مريعة، رغم بعض المحاولات المتعثرة، والرعاية الصحية صارت هماً للمريض وأهله للتنفيع، استغلالاً لتردي الخدمات الصحية، بوزراء غير أكفاء، والتنمية صارت اقتياتاً لبعض المتنفذين والمأجورين، والتعليم صار سبيلاً لتوزيع الشهادات بلا علم، والمعلمون في التعليم العام والجامعي صاروا عالة عليه، وثغرة فيه، ورغم أن أعداد طبقة السياسيين من الوزراء والأعضاء السابقين والحاليين بالمئات، فإن معظمهم لم يكن حاملاً همك يا وطني، ولم تكن له مصداقية معك.

ويبقى أن التفاؤل سبيلنا ثقة بالله، فهو سبحانه مدنا بحبله المتين الذي لا ينقطع، فكلما زادت ظلمة الليل بأرجائك زاد يقيني بقرب بزوغ فجر جيل من أبنائك، يؤمن بحبه الحقيقي لك، كما كان الآباء والأجداد يعطون بلا مقابل، أو من دون انتظار لفواتير تسدد على حسابك، فأنت بلد ولّاد للرجال، والقلة منهم اليوم تعيش معك في وحشة غربتك، وتداعى البقية لنهشك من كل صوب، لكنها قلة مفعمة بالأمل، أن المستقبل سيعيد البهجة على محياك الذي فقدها منذ أكثر من ٤ عقود، فلك مني يا وطن كل حب وولاء وتضحية في الدفاع عنك، فلن ندعك تشعر بالغربة ما حيينا.

تعليقات

اكتب تعليقك