‫داهم القحطاني: حانت اللحظة التي نغلب فيها مصلحة البلد عبر ترسيخ الاستقرار ونأي كل طرف عن الرغبة الجامحة في تحقيق انتصارات صغيرة لأفراد وهي انتصارات في حقيقتها تعتبر هزيمة للبلد‬

زاوية الكتاب

كتب داهم القحطاني 576 مشاهدات 0


منذ قرون وهناك مبدأ أساسي تقوم عليه دولة الكويت فيما يتعلق بإدارة السلطة، وهو مبدأ يقوم على فكرة أن الحكم في الكويت يُدار بالتوافق بين الشعب ممثلا في مجلس الأمة، والأسرة الحاكمة ممثلة في الأمير، وأمير المستقبل (ولي للعهد).

لم يخرج الشعب الكويتي طوال قرون عن هذا المبدأ، وحافظت الأسرة الحاكمة على هذا المبدأ طوال هذه السنين فيما عدا فترات قليلة.

والالتزام بهذا المبدأ ينبع من دافع ذاتي، فالشعب الكويتي ينظر بكل حب وتقدير لدور أسرة آل صباح في حكم الكويت، لما بذلته طوال تاريخها من جهود وتضحيات في سبيل حماية وصون الكويت من الأعداء الطامعين، وما قامت به من تنمية لتكون الكويت مركزا تجاريا مرموقا لقرون عدة.

كما أن الأسرة الحاكمة تجل وتقدر الأدوار العظيمة، والتضحيات العظمى التي قدمها الكويتيون طوال تاريخهم للحفاظ على الكويت الدولة، والكويت الأرض، والكويت الثروات من أي طامع.

كما أن أسرة آل صباح عبرت مرارا على لسان أمراء الكويت، وشيوخها عن تقديرها للعلاقة المتميزة التي تجمع بينها وبين الشعب الكويتي، وهي التي تعتبر نفسها جزءا منه.

كل هذه المعاني السامية، والأدوار المحددة تم التعبير عنها في الدستور الكويتي ومذكرته التفسيرية، وفي قانون توارث الإمارة. ولهذا ووفقا لهذا الفهم لا يبدو أمرًا مستغربا أن مبايعة الأمير حين يتم تعيينه وليا للعهد، أو حينما يخلو مسند الإمارة كما حصل في عام 2006 لابد أن تمر بتصويت في مجلس الأمة ضمن أطر نظمها قانون توارث الإمارة.

ولهذا كنا نفخر دائما ككويتيين، خصوصا المشتغلين بالشأن السياسي بأن أمير الكويت لديه شرعية تاريخية، وشرعية شعبية، وشرعية برلمانية وهو أمر لا يتوافر حتى لدى رؤساء جمهوريات تدعي العمل بالديموقراطية.

وضمن هذا الإطار المتميز في العلاقة بين الشعب الكويتي، والأسرة الحاكمة لا يشترط الدستور حصر اختيار منصب رئيس الوزراء في أفراد الأسرة الحاكمة، فالأمر متاح لاختبار رئيس وزراء من غير أفراد الأسرة الحاكمة، والأمر يقع ضمن صلاحيات الأمير، وتقديره للوضع الأنسب.

كما أن التقارب غير العادي بين الشعب الكويتي والأسرة الحاكمة، يخلق حالة من الثقة غير مسبوقة في النظم الوراثية، فمنصب نائب الأمير، وهو أعلى منصب في الدولة في حال غاب الأمير لسفر أو مرض، يمكن أن يعهد لغير أفراد الأسرة الحاكمة إذا تعذرت نيابة ولي العهد للمنصب.

هذه الآلية التي وضعها الدستور الكويتي بالتوافق تؤكد للمتابع من خارج البيت الكويتي أن العلاقة بين الشعب والحكم لا تقوم على الصراع والنزاع، انما هي علاقة أساسها التكامل والتعاون لحماية وتنمية الكويت، من دون أن يخرج الصراع السياسي الاعتيادي في شؤون الدولة عن الأصل الذي ينظم علاقة الشعب، بالحكم، وهو مبدأ التوافق.

هذا الإرث العظيم، والمتجدد يحملنا جميعا، شعبا، وحكما مسؤولية عظيمة في وضع محددات للعمل السياسي لا يتم الخروج عنها، مهما أغرت السلطة كل طرف، وفتحت شهيته لاتباع سياسات حادة، تغلب فكرة الصراع لا التوافق.

في أزمتنا السياسية الحالية نحتاج لمثل هذا الفهم العميق والحكيم لطبيعة العلاقة بين الشعب والحكم.

وقد حانت اللحظة التي نغلب فيها مصلحة البلد عبر ترسيخ الاستقرار، والابتعاد عن المشاحنات، ونأي كل طرف عن الرغبة الجامحة في تحقيق انتصارات صغيرة لأفراد، وهي انتصارات في حقيقتها تعتبر هزيمة للبلد، وتضييعا لاستقراره، ولفرص تنميته.

تعليقات

اكتب تعليقك