‫أحمد الصراف: كيف يمكن أن تقنع أمة بهذا الكلام ودستورها لا يتطلب ممن يرشح نفسه للنيابة وتشريع القوانين ومراقبة أداء الحكومة غير أن «يقرأ ويكتب»!‬

زاوية الكتاب

كتب أحمد الصراف 368 مشاهدات 0


بدأ حياته محاسبا متواضع الشأن، كما حالنا جميعا، في مكتب تدقيق يعود لشركة عربية تعمل في لبنان، قبل ان تنقل نشاطها للكويت، ليتمكن بعدها من الاستحواذ على كامل عملائها، ويخرجها من الساحة.

توسع نشاطه المحاسبي، وخاصة في ظاهرة تأسيس الشركات الورقية والخليجية في سبعينيات القرن الماضي، وبلغ الذروة مع أزمة المناخ الأولى، وتمكن وشركاؤه من تحقيق ثروة ضخمة لم يكونوا يحلمون بها، في بلد افتقد، ولا يزال للقوانين الرقابية السليمة والرادعة، ومنها مثلا السماح لصاحب مكتب التدقيق المحاسبي بمزاولة مختلف الأنشطة التجارية، مع الاستمرار في تدقيق دفاتر الشركات الأخرى، التي قد تكون منافسة لشركاته.

***

نجاح أبو زرافة في الكويت، والعمليات الغريبة التي وفق في تحقيقها، دفعته لمد ذراعه المحاسبية لدول عربية أخرى، ليست أفضل من الكويت في ضعفها الرقابي، فكل الأمة في «الهوا سوا»، وكوّن إمبراطورية لا بأس بحجمها، ولم يكن نجاحها المالي خاليا من التساؤلات.

***

نجاحه المهني وثروته دفعا وسائل الإعلام بعدها للاهتمام به، وخاصة عندما كان يتطرق، بما يشبه الصدق، لبدايات حياته المتواضعة وفقره، وعصاميته، ونجاحه المهني. 

زيادة الاهتمام به «إعلاميا»، وشبه خلو فكره من أمور جديدة يتحدث بها، دفعاه للاعتقاد بأنه «يفهم»، وبالتالي لأن يسترسل في الحديث عن توقعاته عن مجريات الأحداث العالمية، في ضوء علاقاته بمراكز اتخاذ القرار، التي سبق أن «طنطن» بها كثيرا، فتمادى ودخل في «عالم الغيب» والتوقعات الخطيرة والمقلقة، وكان آخرها ما ورد على لسانه بأن نقطة التحول التي ستقرر مصير أميركا والعالم ستكون في السادس من يناير 2021، وأن «ترامب» سيعلن الحرب على إيران، لكي يستغل فقرة في الدستور الأميركي، تسمح للرئيس المنتهية ولايته بالبقاء في الحكم أربع سنوات أخرى، إن كانت بلاده في حرب! طبعا ثبت أن كل ما ذكره كان تافها ولم يتحقق منه شيء.

كما سبق لأبي زرافة أن صرح قبل بضعة أشهر بأن الحرب العالمية ستقع قبل نهاية 2020، وأصدر تعميما لكل موظفيه بذلك، وشغل الناس بذلك الخبر الخطير الذي تبين تاليا مدى تواضع عقلية قائله.

***

ما نود قوله هنا ليس فقط تعرية أصحاب هذه العقليات، وكشف خوائهم للعامة، وخواء غيرهم من النشطاء على القنوات ووسائل التواصل، ومنهم صاحبتنا الصيدلانية، والتحذير من تصديق «أي كلام» أو خبر، مع بذل القليل من الجهد للتحقق منه، والتروي قبل إعادة إرساله للآخرين. فأعداد المجانين والتافهين والمرضي الذين أصبحوا يمتلكون سلاح السوشيال ميديا بازدياد، وهؤلاء يبثون أمراضهم وعقدهم، بوعي أو بغيره، على هذه الوسائل الخطيرة فيتأثر بها الكثيرون وتثير قلقهم، ثم يتبين لاحقا خطأ الخبر من أساسه، أو «عرجه»!

***

ولكن كيف يمكن أن تقنع أمة بهذا الكلام، ودستورها لا يتطلب ممن يرشح نفسه للنيابة وتشريع القوانين ومراقبة أداء الحكومة، غير أن «يقرأ ويكتب»!

تعليقات

اكتب تعليقك