‫خيرالله خيرالله: أليست إيران من اخترع عبارة «الصبر الاستراتيجي» لتبرير العجز عن الردّ على الضربات الأميركية والإسرائيلية؟!‬

زاوية الكتاب

كتب خيرالله خيرالله 467 مشاهدات 1


قد تكون إيران مسؤولة كما قد لا تكون مسؤولة في غياب الأدلّة الدامغة.

لكن التوقيت يبدو مريباً.

يمكن أن تكون إيران وأدواتها، بما في ذلك الأدوات المحلّية، وراء التفجيرين الأخيرين اللذين استهدفا قبل أيام سوقاً شعبياً في بغداد.

لكنّه يمكن أن تكون هناك جهة أخرى وراء هذا العمل الإرهابي الذي أودى بما يزيد على 35 شخصاً، إضافة إلى تسبّبه في عشرات الجرحى.

يبقى التوقيت والمكان أهم ما في التفجيرين، اللذين نفّذهما انتحاريان وذلك كي تتوجّه أصابع الاتهام إلى تنظيم «داعش» وما شابهه.

بالنسبة إلى المكان، وقع التفجيران في منطقة بغدادية شعبية مكتظّة لإلحاق أكبر أذى بالناس العاديين.

بالنسبة إلى التوقيت، كان التفجيران في اليوم الأول من ولاية الرئيس جو بايدن الذي باشر، بعد ساعات، من حفلة أداء اليمين، أداء مهمّاته من البيت الأبيض.

يبدو التفجيران رسالة واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة وإلى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في الوقت ذاته. كذلك، يبدو التفجيران بمثابة دعوة إلى إدارة بايدن من أجل فتح مفاوضات سريعة مع إيران بشروط تسعى إلى فرضها.

في مقدّم هذه الشروط رفع العقوبات الأميركية فوراً والسماح بإعادة تصدير النفط.

وهذا ما دعا إليه وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف.

يؤكّد ذلك أن العقوبات التي فرضتها إدارة دونالد ترامب على «الجمهورية الإسلامية» أدت مفعولها.

يؤكّد ذلك أيضاً أنّ إيران على عجلة من أمرها وهي تعتبر الخلاص من إدارة ترامب بمثابة خلاص من العقوبات وعودة إلى الاتفاق في شأن ملفّها النووي من دون أي تغيير من نوع يأخذ في الاعتبار الأحداث التي طرأت في السنوات الأخيرة الممتدة بين 2015 و 2021.

كشفت هذه الأحداث، التي يبدو أن إيران تريد تجاهلها، أن الاتفاق السابق في شأن ملفّها النووي غير قابل للحياة.

إنّه اتفاق يرفضه أيّ عاقل في ضوء الفجوات التي فيه نظراً إلى أنّه لا يتعاطى مع المشكلة الأساسية المتمثّلة في الصواريخ الإيرانية من جهة والمشروع التوسّعي الإيراني من جهة.

هل مطلوب استسلام الإدارة الأميركية الجديدة لطهران من دون شروط؟ هل مطلوب في الوقت ذاته اعتراف الإدارة بأنّ إيران هي من يسيطر على العراق وأن إيران هي القوّة الأساسية في اليمن وهي من يتحكّم بلبنان إلى درجة لم يعد ممكنا تشكيل حكومة في هذا البلد في ظلّ «عهد حزب الله».

مطلوب بكلّ بساطة اعتراف الإدارة الأميركية الجديدة بأنّ القوّة المهيمنة على المنطقة هي إيران من دون حسيب أو رقيب وأنّ «الجمهورية الإسلامية» موجودة في سورية ولا مجال لاقتلاعها منها.

ترفض إيران الاعتراف بأنّ العراق هو العراق وأن سورية هي سورية الواقعة تحت خمسة احتلالات وليس تحت الاحتلال الإيراني وحده.

الأكيد أن إدارة جو بايدن لا تبدو مستعجلة على الدخول في حوار جدّي مع إيران.

تحتاج إلى وقت طويل لبلورة سياسة شرق أوسطية وخليجية جديدة، خصوصاً في ما يخصّ العراق وإيران وحتّى في ما يخصّ سورية.

لا تبدو هذه الإدارة مستعدة للرضوخ للشروط الإيرانية على الرغم من وجود جناح مؤيّد لإيران في داخلها.

سيتبيّن إلى أي حد سيكون نفوذ هذا الجناح قويّاً وذا وزن راجح في الأسابيع القليلة المقبلة، خصوصاً إذا نجح في جعل شخص مثل روب مالي، الذي خدم في سنوات إدارة باراك أوباما، مسؤولاً عن الملفّ الإيراني.

إذا كان التفجيران البشعان يدلّان على شيء، فهما يدلان على استعجال إيراني لفتح ملفّ العقوبات مع واشنطن من البوابة العراقية، وذلك بغض النظر عن صحّة ما يقال عن مسؤولية طهران غير المباشرة عن التفجيرين ووجود بصمات «داعش» عليهما.

هل كانت إيران، بنظامها القائم، غريبة عن «داعش» في يوم من الأيام، وذلك منذ بروز هذه الظاهرة مجدداً في العام 2013 واحتلالها الموصل في العام 2014؟ هل الاستعجال الإيراني في اتجاه فتح قنوات حوار مع إدارة بايدن دليل ضعف أو قوّة؟ وحدها الأيام ستجيب عن مثل هذا السؤال لكنّ الواضح أن ردّ الفعل العراقي يوحي بأنّ رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي أخذ الأمور على محمل الجدّ ووجد في التفجيرين رسالة تفرض عليه الرد.

كان ردّه إجراء تغييرات ذات طابع جذري على صعيد قيادات الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية التي اعتبر أن قسماً منها غير مؤهّل لحماية البلد و«المنطقة الخضراء» على وجه التحديد.

توجّب على الكاظمي اللجوء إلى السرعة في الردّ لتأكيد أنّ التفجيرين حدث في غاية الخطورة وأنّه لن يسمح بعد الآن بأي تهاون من أيّ نوع.

فهو يعرف أنّ تقصيراً كبيراً، مصدره الأجهزة الأمنية المعنيّة، حصل في مناسبات عدّة، وقد واجه ذلك شخصياً في إحدى المرّات عندما اقترب مسلّحون ينتمون إلى إحدى الميليشيات من مقرّ إقامته.

تتعاطى إيران مع وضع جديد بأساليب قديمة في منطقة تغيّرت كلّياً.

ليس كافياً أن تتغيّر الإدارة الأميركية كي يعود كلّ شيء على حاله.

صحيح أنّ إدارة بايدن تضمّ كثيرين من الذين عملوا في إدارة أوباما التي تحنّ إيران إليها.

لكن الصحيح أيضاً أنّ هناك معطيات جديدة تفرض نفسها في السنة 2021.

من بين هذه المعطيات انّ واشنطن في صدد بلورة سياسة تجاه المنطقة وتجاه إيران بالذات.

لا يمكن لهذه السياسة تجاهل أمور عدّة من بينها الصواريخ الإيرانية التي صارت همّاً إسرائيلياً ضاغطاً ولا المشروع التوسّعي الإيراني الذي صار همّاً عربياً.

أكثر من ذلك، لا يمكن لهذه السياسة التغاضي عن تغييرات كبيرة حصلت في الداخل العراقي وأنّ هناك رئيساً للجمهورية هو الكردي برهم صالح ورئيساً للوزراء يؤمنان بشعار «العراق أوّلاً»، أي أن العراق هو العراق وأن إيران تبقى إيران من دون أن يعني ذلك عداء عراقياً لكلّ ما هو إيراني.

فوق ذلك كلّه، انّ العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، تغيّر.

قبل أن تباشر أميركا الاهتمام بالملفّ الإيراني، هناك ملفّ وباء فيروس كورونا (كوفيد – 19) الذي يفرض نفسه.

هناك أيضاً الوضع الاقتصادي الأميركي الذي يحتاج إلى إنقاذ بسبب ما خلفه الوباء.

في ظلّ مثل هذا الوضع، لن تتمكن إيران من فرض أجندتها على إدارة بايدن وعلى الرئيس الأميركي شخصياً، خصوصا بعدما وعد الأخير بأنّ عليه معالجة شؤون الأميركيين قبل أي شيء آخر.

الاستعجال إيراني والتمهّل والتأنّي أميركيان.

إلى إشعار آخر، ليس أمام «الجمهورية الإسلامية» سوى الصبر.

أليست إيران من اخترع عبارة «الصبر الاستراتيجي» لتبرير العجز عن الردّ على الضربات الأميركية والإسرائيلية؟!

تعليقات

  1. تحليل ساذج وغبي وضحالة في الفكر تدل على انحياز وحقد على ايران ..

اكتب تعليقك