طلال عبدالكريم العرب: أكثر ما يثير الدهشة والحيرة أن تعيين القيمين على بعض خزائن الدولة مستمر بالرغم من معرفة الجميع بسرقاتهم ومع هذا فهم مستمرون بعملهم
زاوية الكتابكتب طلال عبد الكريم العرب يناير 4, 2021, 11:30 م 335 مشاهدات 0
«إذا سبّح القيطون فقد همّ بسرقةٍ *** فلا تأمن القيطونَ حين يسبّح»، بيت شعر قيل في السارق الماكر المخادع، وللقيطون عدة معان، فقيل إنه الثعلب المكار، سارق الطيور والدجاج، وقيل إنه طائر يلتهم أي شيء حتى بني جنسه، وقيل إنه مخدع النوم، وقيل إنه اسم لحارس خزنة في العهد العباسي.
وبغض النظر عن التعريف الحقيقي للقيطون، فقد رسخ في وجدان الناس أنه وصف يطلق على السارق الخائن للأمانة الموكولة إليه، مخادعاً الناس بتستره تحت عباءة الورع والتقوى أو الوطنية، ووراء بيت الشعر هذا حكاية حصلت في عهد الدولة العباسية.
فيروى عن رجل اشتهر بمكره وخبثه وطمعه يقال له قيطون، ومع هذا، فقد أوكلت إليه حراسة خزينة في الدولة العباسية، ومع مرور الزمن على حراسته لها، لاحظ الناس أن قيطون هذا إذا ما همّ للقيام بسرقة، مشى في الأسواق مهللاً مسبحاً، ذاكراً الله ومستغفراً له عن ذنوبه، فيقولون متوجسين من ذلك «إذا سبّح القيطون فقد همّ بسرقةٍ *** فلا تأمن القيطونَ حين يسبّح».
فهو مثل يُضرب لمن يتظاهر بالعبادة أو الوطنية ليستتر خلفهما بالسرقة والفساد، وما أكثر أشباه هذا القيطون بيننا، إلا أن الفارق هنا أنهم بعد أن يسرقوا وينهبوا ويزوﱢروا ويرشوا ويرتشوا، ومن أجل إقناع بعض الناس بورعهم وصلاحهم، فهم يقومون بصرف بعض مما نهبوه من الدولة على تبرعات وأفعال الخير، وكلما كانت سرقاتهم كبيرة زادت وجاهتهم وأثمان تبرعاتهم، فهي تتراوح ما بين إطعام المساكين ومساعدة المحتاجين، إلى بناء المساجد، حتى تصل الى بناء المصحات والمدارس.
هؤلاء القياطين عندما تجالسهم يعطونك من طرف ألسنتهم حلاوة، ولكنهم يزوغون منك كما تزوغ الثعالب، أما أخطر قياطين الأمة فهم من يكثرون البسملة والحوقلة، ويرفعون رايات الوطنية والدفاع عن أموال الناس، مستغلين وسائل الإعلام الرسمية والخاصة بحكم مواقعهم، سالبين وسارقين رأي الأمة.
إلا أن أكثر ما يثير الدهشة والحيرة أن تعيين القيمين على بعض خزائن الدولة مستمر بالرغم من معرفة الجميع بسرقاتهم، ومع هذا فهم مستمرون بعملهم، ويُنتخبون ليكونوا أمناء على خزائن ولجان مهمتها الحفاظ على قوت الناس ومصالحهم، وهذا أمر واقع وحاصل حتى في أيامنا هذه.
حفظنا الله من قياطين الأمة، ومن رعاهم وفتح لهم أبواب النهب والفساد.
تعليقات