د. ليلى الموسوي: كتبت مراثيها الطيور ... «رجل دولةٍ ابتغى الإصلاح، وسيستفيضون في سرد سيرتك»
زاوية الكتاب"تظل أنت باقياً في القلوب محبةً لا يمحوها الردى، ابتنيت أثرا سيظل التاريخ يحكيه"
كتب د. ليلى الموسوي ديسمبر 25, 2020, 11:56 م 381 مشاهدات 0
سيكتبون عنك: رجل دولةٍ ابتغى الإصلاح، وسيستفيضون في سرد سيرتك: وزيرا ذا رؤية، وسيحكون في ما يحكون عنك: رجل أعمال أسس الشركات وأدار الاستثمارات، وسيقصون على صغارهم قصص مشروعك لإعادة إحياء طريق الحرير يمتد من الكويت ليصل إلى قلب سهوب آسيا كمشروع للتنمية الاقتصادية، وسينعاك أهل الخليج الذين عرفوك عن قرب كريما دمث الأخلاق، ويقدم العرب والعالم واجب العزاء للكويت في فقيد عزيز على شعبها أسر قلوبهم فارسا جسورا كشف الحقائق، وسيرثيك الأصدقاء "حُلما" غيّبه الردى عنهم بغتة، و"أملا" ابتسره منهم الموت في خلسة من الأيام.
سافرت الغيوم... ولكن
تظل أنت باقياً في القلوب محبةً لا يمحوها الردى، وفي الذاكرة عبقا لا تبدده رياح الأيام. ابتنيت أثرا سيظل التاريخ يحكيه، وسطرت مجدا ستظل الأزمان تتناقله، إذ تشهد عقود الزمن على عملك الدؤوب أنت وعقيلتك، وتصدح المحافل بما قدمتماه من جهد حتى اقترن اسم الكويت بالثقافة، وصار اسمها مرادفا للفنون الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها.
معك أحببنا حجارة القدس القديمة، وأنت تروي لنا ذكريات صباك تسعى في شوارعها لتلقي العلم يافعا، ونكاد نراك بأعيننا تجوب الأسواق في الهند مشفوعا بالألوان والأضواء، وتطوي الدروب في سورية مخفورا بسنابك خيل التاريخ، وتتردد بين خانات المغرب محفوفا بالتراث المحفوظ في زخارفها، وفي جميعها متسربلا ببساطة الأزياء المحلية، باحثا عن قصص الحيوات المخاتلة.
وهكذا نما شغفك وتوقدت شعلة مجموعة الصباح في منتصف سبعينيات القرن العشرين، مما بدأ كهواية ليصبح سعيا محموما لجمع التراث الفني الإسلامي، وتجلى أخيرا في مجموعة عالمية من الفن الإسلامي الرفيع. بحلول أوائل الثمانينيات، أصبحت مجموعة الصباح حجر الزاوية في متحف الكويت الوطني، وقلب دار الآثار الإسلامية النابض.
وفي غضون بضعة عقود قصيرة تنامت هذه المجموعة الخلابة من قطعة وحيدة لتشمل عشرات الآلاف من القطع، وهكذا تحولت أحلامك من مجرد عرض فني إلى منارة من منارات الثقافة في الكويت، ورمزٍ على مرونة الشعب الكويتي في مواجهة الشدائد، وشاهدٍ على دور الكويت في رعاية فنون الحضارة الإسلامية، فكانت خير سفير للكويت في محنتها في أوائل التسعينيات، يجوب المدن ليصدح باسم الكويت، وحلت مختارات من القطع ضيوفا مرحبا بها في جميع أصقاع الأرض. خلفك وقفنا بفخر والكويت تتبوأ مكانتها في أكبر المتاحف والمحافل الثقافية، مع قطع من مجموعة الصباح تزين أروقة المتحف البريطاني في لندن، وتُعرض في قاعات متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك، ويحتفي متحف اللوفر بكنوز دار الآثار الإسلامية في باريس.
معك قرأنا أمهات الكتب بحثا عن إشارة لما اندثر من إرث وعن قصص الآثار الصامتة، ومعك فتشنا عن معانٍ لما تبقى من كلمات تزين المشغولات العتيقة علنا نستكمل حكايتها، ومعك انطلقنا في مغامرة إنسانية لا تُنسى، مغامرة تمتد عبر القرون الماضية، مغامرة مكرسة بالكامل للترويج لجمال الفن الإسلامي وألقه.
تَرَكَ فينا حبَ الثقافة ظلالا مطمئنة تكبر في زوايا النفس، وعلّمَنَا التواضع على أبواب المعرفة السامقة.
وستكتب مراثيها الطيور... ولكن
لا نرثيه فهو حاضر في القلوب
لا نرثيه فهو خالد في الدهور.
تعليقات