داهم القحطاني: اعتماد فكرة «أنا ومن بعدي الطوفان» لتكون هي الأساس في العمل السياسي فحتماً لا يمكن للنظام السياسي أن يتحملها من دون أن تؤدي إلى الفوضى والارتباك
زاوية الكتابكتب داهم القحطاني ديسمبر 20, 2020, 10:12 م 341 مشاهدات 0
الثلاثاء العظيم هو أول يوم ثلاثاء من شهر نوفمبر في سنة الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث تعقد في هذا اليوم انتخابات متعددة ومتزامنة لاختيار رئيس جديد، وحكام جدد للولايات، ويجرى أيضاً انتخاب أعضاء جدد في مجلسَي الشيوخ والنواب.
الثلاثاء العظيم هذا العام لم ينتهِ بعد بسبب تحول الصراع السياسي في الولايات المتحدة إلى حالة جديدة وغير مسبوقة افتقدت فيها المرونة، وساد فيها الخطاب الموغل في السخرية، والتجريح، والكراهية.
هذا وضع شبيه بما حصل في الثلاثاء الكويتي الأسبوع الماضي، وبما يتوقع أن يحصل غداً الثلاثاء في مجلس الأمة الكويتي، حيث تسيَّد التشنُّج، وانعدمت المرونة، وغابت السياسة، وأصبحت الألفاظ كما لو كانت قنابل، وتحولت قاعة عبدالله السالم برمزيتها إلى أشبه ما تكون ملعباً رياضياً تسوده الفوضى والانفعال، والخروج عن القواعد البرلمانية.
المواطن الكويتي العادي كان يتمنى أن تكون انتخابات مجلس الأمة الأخيرة بداية لمرحلة سياسية جديدة تتسم بالهدوء، وابتعاد الجميع عن توتير الأجواء، والتركيز على عشرات الأزمات والمشاكل والاستحقاقات التي تواجه الدولة الكويتية.
لم يحصل ذلك.. «حسافة».
«أنا ومن بعدي الطوفان».. بهذا المفهوم تحول العمل السياسي في الكويت خلال الأعوام الأحد عشر الماضية، فقلَّت إلى حد كبير جداً هوامش المرونة بين الأطراف كافة، وأصبح التصعيد واستخدام القوة بأشكالها المختلفة السمة الغالبة.
وكل الدعوات التي أطلقها المعتدلون من السياسيين وغير السياسيين لتهدئة الاحتقان، والعودة إلى آليات العمل السياسي المعتادة التي تعتمد على القبول بقواعد اللعبة السياسية، لم يُستجَب لها.. «حسافة».
يستطيع البعض أن يعتبر نفسه المسيح المخلص، ويستطيع باسم شعاراته الخاصة أن يعتبر أنه وحده المصيب، وأن كل من عداه مخطئ، لكن الوقائع على الأرض تقول إن هناك فشلاً ذريعاً أصاب الجميع بدرجات متفاوتة، فلا يكفي أن تكون محقاً في موقفك من قضية ما، فالأهم من ذلك أن تنجح في معالجة هذه القضية أو على الأقل منعها من أن تتفاقم، فلا يعم الضرر الجميع.
حينها لن يهتم أحد بتبريراتك، ولا ببكائياتك، فأنت وخصمك الفاسد ستكونان لدى العامة شريكين في الفشل. حينها لن تجد غير.. «الحسافة».
النجاح لا يعني تحقيق كل المطالب، ولا يعني خوض حرب ضارية على كل مطلب، والسياسي الذي لا يقبل التضحية في جزء من مطالبه مقابل تحقيق المطالب الأهم يفتقد أهم صفات العمل في السياسة، وقد يصبح جزءاً من المشكلة بدلاً من أن يكون جزءاً من الحل.
هذا المدخل الطويل يستهدف لفت أنظار أعضاء مجلس الأمة جميعاً بأن للصراع السياسي حدوداً معينة، فالإسراف في الصراع المباشر في كل الأوقات يفقد الآليات السياسية كمجلس الأمة، والعمل العام، وغيرها قيمتها، ويجعلها منصات لطلب الثأر بدلاً من أن تكون وسائل لإنهاء النزاعات، أو على الأقل تبريد النقاط الساخنة في المشهد السياسي.
هذا المفهوم المرن في التعاطي مع المشهد السياسي الحالي لا يعني التخاذل أو الضعف، أو ترسيخ فكرة التنازل عن المبادئ، لكن يعني أن السياسي يجب ألا يقع ضحية للعبة الاستدراج التي يقوم بها خصومه ليخضع لقواعد هم من يحددها، وعليه فبدلاً من ذلك أن تكون لديه هوامش من المرونة والصبر ما يجعله في النهاية يصل إلى تحقيق أهدافه أو أغلبها، وإن تعرض لضربات موجعة، فذلك أفضل من عدم الوصول إلى تحقيق أي هدف بسبب الحرص على عدم خوض المعارك السياسية التي تستلزم أحياناً مواقف أقل حدة وأكثر دهاء قد تؤدي إلى شيء من الألم، لكنها في النهاية توصل إلى تحقيق الأهداف.
لمثل هذا بالأصل كان العمل السياسي في المجتمعات الحديثة.
أما اعتماد فكرة «أنا ومن بعدي الطوفان» لتكون هي الأساس في العمل السياسي، فحتماً لا يمكن للنظام السياسي أن يتحملها من دون أن تؤدي إلى الفوضى والارتباك.
تعليقات