‫داهم القحطاني: تبقى مسألة اختيار الوزراء في الحكومة الجديدة المسألة الأهم لتحقيق الاستقرار في عملها.. فإن تم تعيين وزراء سياسيين وإصلاحيين ولديهم من الإمكانات فحتماً سنشهد استقراراً في المشهد السياسي‬

زاوية الكتاب

كتب داهم القحطاني 347 مشاهدات 0


‫حملت نتائج انتخابات مجلس الأمة للفصل التشريعي الجديد 2020 ــ 2024 تغييرا واسعا لأعضاء مجلس الأمة، ليتضمن ذلك التغيير الكبير رسائل عدة يجب التوقف عندها، ودراستها، والتعاطي معها من قبل الجميع.‬

‫وفقا للنتائج هناك رفض شعبي واسع لأداء مجلس الأمة، ولأداء الحكومة، مما أدى إلى تغيير واسع في أعضاء مجلس الأمة، الذي اختارت أغلبيته طريق التعاون مع الحكومة.‬

‫هذا التغيير كان الآلية التي عبّر فيها أغلبية الناخبين عن ضرورة ألا يتم التعاون البرلماني الحكومي بمعزل عن الرأي العام الكويتي، وبضرورة أن تتضمن الخدمة العامة آليات تتيح معرفة مسار الرأي العام الكويتي، وتعديل الأداء وفقا لذلك، وعن ضرورة تخلي البرلمان والحكومة عن منهج اتخاذ القرارات المهمة بمعزل عن الأصداء المتوقعة لهذه القرارات لدى هذا الرأي العام الذي اشتهر بالنشاط، والمتابعة، والتحفز.‬

‫نتائج الانتخابات أثبتت أيضا خطأ مقولة إن أعضاء مجلس الأمة يمثلون آراء الشعب الكويتي، وهي المقولة التي بُنيت عليها قرارات عدة أدت في النهاية وضمن أسباب أخرى إلى هذا السقوط الذريع لأغلبية النواب، فأعضاء مجلس الأمة، وإن كان لديهم تفويض من عدد من الناخبين، لكنه عدد لا يمثل بالضرورة الرأي العام الكويتي كله، فهناك نسبة عالية لم تنتخب هؤلاء النواب، ولم تفوضهم، والتالي لا يمكن القول بأن النواب يمثلون هؤلاء.‬

‫بهذا المعنى من المهم وجود قدرة لدى النواب على رصد توجهات الرأي العام الكويتي، بما في ذلك توجهات من لا يشاركون في الانتخابات، وجعل هذه التوجهات أساس اتخاذ القرارات البرلمانية بالطبع إن كانت بالفعل توجهات إصلاحية، أما إذا كانت هذه التوجهات قد تسبب الضرر للدولة ومقدراتها، ربما لأنها صدرت نتيجة لغياب المعلومة أو نتيجة لحملات تضليل، فمن واجب النواب الإصلاحيين هنا مواجهة هذا الرأي العام بالحقائق، وعدم الانسياق خلف انطباعات مغلوطة قد يغلب عليها الانفعال والعاطفة.‬

‫نتائج الانتخابات بينت أن المرشحين الذين انتقدوا وبقوة ووضوح أداء الحكومة تصدروا المراكز الأولى في دوائرهم وبفارق كبير، وفي هذا إشارة مهمة إلى أن الحكومات التي تشكلت في الفصل التشريعي السابق 2016 ــ 2020 فشلت في كسب معركة الرأي العام رغم سيطرتها على وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، وسيطرتها على قنوات تلفزيون الكويت، ومحطات إذاعة الكويت، إضافةً الى صحف وقنوات خاصة عملت جاهدة لتلميع صورة الحكومة.‬

‫ربما دفعت الحكومة ورئيسها هذا الهجوم الكاسح ثمنا للتعيينات الإعلامية التي لم تراع الكفاءات المختصة، وحرمت الحكومة نفسها من خط دفاع مهم جدا في عالم يعتمد على الطرح الإعلامي المؤثر، الذي لا يمكن أن يصدر عن غير مختصين.‬

‫من حيث القضايا رسائل الانتخابات كانت واضحة، فقضايا محاربة الفساد المتنامي، والحفاظ على الأموال العامة، وتعديل التركيبة السكانية، وتوفير الوظائف للشباب، وإصلاح نظم التعليم والصحة والإسكان والبنية التحتية كانت هي القضايا الأبرز التي تشكل من أجلها مجلس الأمة الجديد، بالتوازي مع قضايا الإصلاح السياسي، وعلى رأسها تعديل القوانين المقيدة للحريات العامة التي صدرت عن مجلس 2013، وإجراء مصالحة وطنية شاملة تتضمن العفو الشامل عن سياسيين بارزين ونشطاء صدرت عليهم أحكام بالسجن بسبب ما عرف إعلاميا بقضية دخول المجلس، وبسبب شكاوى من دول أخرى، وبسبب آراء شخصية وردت في تغريدات حملت آراء عامة.‬

‫دستورياً مطلوب أن تتشكل الحكومة الجديدة وفق أبرز نتائج الانتخابات، بحيث يتم اختيار رئيس وزراء، ووزراء يتناسبون مع طبيعة أعضاء مجلس الأمة الجديد من حيث التناغم مع أبرز القضايا التي طرحها النواب الفائزون، ومن حيث القدرة على التعاون معهم لتحقيقها وفق رؤية خاصة للحكومة يتضمنها برنامج عملها، الذي يفترض أن يكون القاعدة التي تتشكل على أساسها الحكومة الجديدة.‬

‫وتبقى مسألة اختيار الوزراء في الحكومة الجديدة المسألة الأهم لتحقيق الاستقرار في عملها، فإن تم تعيين وزراء سياسيين، وإصلاحيين، ولديهم من الإمكانات، والخبرة، وسعة الاطلاع ما يجعلهم قادرين على إدارة وزاراتهم بشكل سياسي يضمن تنفيذ برامج وخطط هذه الوزارات، وضمن برنامج عمل الحكومة، فحتماً سنشهد استقراراً في المشهد السياسي.‬

‫أما إذا استمر تشكيل الحكومة بأسلوب المحاصصة المغلف بشيء من الكفاءة، والخبرة، وبزيادة جرعة وزراء «التكنوقراط»، فحتماً سنمر بمرحلة موجعة من عدم الاستقرار، كما حصل في حكومات عدة، وآخرها الحكومة الأخيرة التي كان أهم أسباب فشلها افتقادها الوزراء السياسيين، وعدم معرفة وزراء التكنوقراط بإدارة المشهد السياسي والإعلامي مما جعل أعضاء مجلس الأمة يتحكمون عمليا بالمشهد، ويتلاعبون بالعديد من الوزراء ليحققوا إما مكاسب شخصية وانتخابية، أو تمرير قوانين شعبية مستحقة ترفضها الحكومة، لكنها لم تستطع منعها لغياب الوزراء السياسيين.‬

‫ربما النصيحة الأهم للشيخ صباح الخالد، وهو رئيس الوزراء المتوقع تكليفه، بأن وكلاء الوزارات لا يصلحون غالبا لتولي منصب الوزير، فهؤلاء عملهم إداري وفني، والوزير منصب ذو طبيعة سياسية يتطلب أن يتمتع من يشغله بقدرات عدة تؤهله للدفاع عن سياسات الحكومة وبرامج عملها ضمن إطار الصراع السياسي، والبرلماني.‬

‫بغير ذلك سيعاني رئيس الوزراء من إخفاقات وزارية عدة، تماماً كما حصل ذلك من وزراء حكومته الأخيرة.‬

تعليقات

اكتب تعليقك