لبنان رجل مريض ورهان ماكرون على " غودو" يغير سياسات أمريكا الشرق أوسطية لن يأتي بنتيجة
زاوية الكتابكتب د. محمد الرميحي سبتمبر 29, 2020, 12:22 م 468 مشاهدات 0
عندما يبحث الإنسان عن علّة أساس يستطيع بضمير مرتاح أن يصف بها الوضع العربي الحالي فلا جدال في أنها تتلخص في تعبير الفرص الضائعة. الفرص الضائعة هي أن يكون في يدك شيء الآن، ولكنك تطمح إلى أن تأخذ المزيد، وتنتهي بلا شيء، تلك هي المعادلة التي لا تؤدي إلا الى خراب الاوطان.
إنْ بدأنا بلبنان والذي هو "رجل مريض" منذ فترة ويزداد مرضاً، فقد كانت هناك فرصة تمثلت في التعاطف الرسمي من باريس وأيضاً من دول أخرى لرسم خريطة طريق للتعافي النسبي، رغم كل المشكلات المتراكمة والضخمة، إلا أن تلك الفرصة ضُيعت، لأن فريقاً يستقوي بما لديه من عصبية سياسية أصلاً محمولة على سلاح، ولمحاولة فرض مصالحه القصوى، فرّط بتلك الفرصة، فأصبح لبنان في مكان بعد الاعتذار اسوأ مما كان نسبياً عند التكليف، والحبل على الجرار . وفي القضية الفلسطينية الأمر يكاد يتكرر، استخدام المعادلة نفسها (رفض ما في اليد) للوصول الى خسارة أكبر.
ما يؤلم العقلاء هذا التناقض المريع بين الاعتراف بأن الأطراف الداخلية جزء أساسي من المشكلة، تسمع الكثير من الضجيج بأن المشكلة في خراب الأوطان هي من الخارج، ويُشار الى ذلك الطرف على انه الولايات المتحدة. دعونا نستكشف العوار في هذا الأمر، بعض اللبنانيين وبعض الفلسطينيين وبعض الجيران ومنهم إيران يلعنون الولايات المتحدة، وإن أمكن إسرائيل، بأنهما سبب كل الخراب في المنطقة. ان وافقنا على ذلك، فهل يستقيم القول إننا ننتظر نتائج الانتخابات الاميركية؟ إذ سوف تتغير المعادلة ويرسل لنا الأميركيون السمن والعسل! هل هناك أكثر من ذلك العمى السياسي؟ نلعنها ونرتجي منها الأمل!
أعتقد أن ذلك الفهم هو استمرار لحال الإنكار الشديد، والذي لا يريد أن يقرأ المتغيرات في العالم. السبب أن الولايات المتحدة وطريقة حكمها ليستا كحكم المجموعة الصغيرة لدينا. نعم الشخص في البيت الأبيض قد يؤثر في اتخاذ القرار جزئياً، ولكنه ليس مطلق الحرية، بل مقيد بعدد من القوانين والتشريعات وحتى المصالح التي تحدد توجه السياسة العامة وسيرها. لذلك فإن انتظار نتائج الانتخابات الأميركية ليس له معنى إلا استمرار العبث عندنا واستمرار معاناة ملايين العرب، سواء في لبنان أم في سوريا أم في العراق ام في اليمن. لن تتغير جذرياً السياسة الاميركية تجاه المنطقة بكاملها في حال تغير الادارة القادمة لسببين رئيسين، اولاً أن الويات المتحدة مشغولة حتى الاكتاف بمعالجة الجائحة المرضية العاصفة "كوفيد -19" وأثارها الكارثية على الاقتصاد الاميركي، لا سيما على الطبقة الوسطى ما يتطلب سنوات للتعافي، وثانياً أن مصالحها، وبخاصة الاقتصادية تحدد أي اولويات تُسير بموجبها توجهاتها العامة، وهي اليوم مصالح في مكان آخر ليس الشرق الأوسط، هي هناك في الشرق الأقصى قريبة من الصين والدول المجاورة لها، حيث الصراع الاقتصادي والتقني.
علينا أن لا ننظر الى الولايات المتحدة من منظور قراءة الدليل السياحي او العاطفة المشهور بها ابناء الشرق الأوسط، فالرهان على تغيير جذري في سياسة الولايات المتحدة تجاه قضايا الشرق الأوسط هو كمثل الرهان على "غودو" في مسرحية صمويل بيكت لن يأتي ابداً. في مخيلتي أن أحدهم حمل نسخة فرنسية من المسرحية وأعطاها للسيد إيمانويل ماكرون، بعد اعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب، وقال له: "إقرا المسرحية، لقد خلط بعض اللبنانيين بين مبادرة ماكرون ووباء كورونا!! الاثنان يجب أن يتجنبا، فهما حرام!
من الصعب أن يفكر بواقعية أي عربي بأن هناك عربياً يتجرد من أفكاره السياسية المثالية، هناك قلة ولكنها غير مسموعة، الأكثرية هي التي تغدق العواطف وتبيع السمك وهو في البحر! فلو قلت لأحدهم أن "حزب الله" من المسحيل أن يحرر شبراً من فلسطين، لنظر اليك شذراً، لكن بعضنا يعرف ذلك، ليس لأننا نحب أو نكره الحزب، بل لأن ميزان القوى ليس متكافئاً، كما أن قواعد اللعبة تغيرت كثيراً، فالحزب في أحسن حالاته، ولو بغير إعلان صريح، يرغب في تحسين، بأكبر قدر ممكن، موقع طائفته في النسيج الاجتماعي وفي الحياة السياسية اللبنانية، ذلك ما فهمته قيادات "التيار الوطني الحر" منذ زمن، وتعاملت على هذا الأساس معه، ميليشيا مسلحة وميليشيا غير مسلحة، لكم السلطة ولنا الحكم!
إذا أخذنا الأمر الى العراق أو اليمن سوف نجد المعادلة نفسها، استحواذ على السلطة وحفرة للوطن وإظهار شريحة اجتماعية على غيرها من الشرائح من أجل الثروة والسلطة. كلها فرص ضائعة في بناء الدولة الحديثة، فلا نلومنَّ إلا أنفسنا!
تعليقات