‫داهم القحطاني: كل ما نحتاج إليه في الكويت في هذه المرحلة التاريخية المهمة هو سلاح الوعي لوأد كل المحاولات التي تستهدف إبقاء الجسد الكويتي هزيلاً ومريضاً والتوافق هنا يبقى دائماً المصل والعلاج‬

زاوية الكتاب

كتب داهم القحطاني 507 مشاهدات 0


السنوات الأكثر استقراراً في تاريخ الكويت السياسي هي التي تعقب لقاءات توافقية تجمع الحكم مع القوى الوطنية، وتتغلب الحكمة على الانفعالات اللحظية التي يؤججها أصحاب المصالح، ولهذا كله شعر الكويتيون بالفرح والتفاؤل حين التقى مؤخرّاً اثنان من رجالات الكويت التاريخيين، سمو نائب الأمير ولي العهد الشيخ نواف الأحمد، ونائب رئيس المجلس التأسيسي الدكتور أحمد الخطيب.

كباحث في العلوم السياسية، وككاتب وصحافي متابع للأحداث السياسية في الكويت بشكل يومي منذ 28 عاماً، عملت خلالها محرراً برلمانياً، لم أشهد أي استقرار سياسي من دون وجود رغبة الأطراف السياسية في التوافق على قرارات معينة تستلزمها المصلحة العامة الحقيقية للبلد.

ولاحظت أن قوة الحكم تزداد وتكون أكثر تأثيراً حين يقرر التوافق مع القوى السياسية الوطنية؛ معارضة كانت أم مستقلة، ولاحظت في الوقت نفسه وبالدرجة نفسها أن القوى والشخصيات السياسية، التي ترفع شعارات الإصلاح، لا تستطيع أن تحقق أي هدف سياسي وإصلاحي كبير من دون التوافق مع الحكم.

والسبب في الحالتين هو أن النظام السياسي الكويتي قام، ومنذ النشأة، على فكرة التوافق في إصدار القرار عبر الشورى، ولاحقاً عبر الشورى الحديثة، أو الديموقراطية بثوبها الكويتي، ومن دون هذا التوافق غالباً ما تتواصل الأزمات السياسية.

هناك مجاميع تعيش حول المؤسسات التنفيذية والتشريعية، وتتواجد حول القوى السياسية الوطنية، قد تستهدف خلق أجواء فتنة بين الطرفين لتستطيع هذه المجاميع الفاسدة أن تحقق أهدافها ومصالحها الخاصة عبر لعب أدوار تأجيج مدفوعة الثمن.

وللأسف حين تخرج الأمور عن الأطر السياسية والدستورية الاعتيادية، نجد أن هذه المجاميع الانتهازية تتحكم في مجريات الأمور، وتكون لها كلمة الفصل، وهو ما جعل الأزمات السياسية في الكويت تتحول فجأة من كونها خلافات سياسية عادية، إلى مواجهات سياسية وأمنية يستهلك فيها البلد، ويرهق الشعب، ويظهر الرويبضات في المشهد العام وكأنهم مصلحون وأبطال، وكأنهم حماة النظام، أو حماة العمل الوطني المعارض.

إن الكويت كبلد وكنظام سياسي محكومة بالتوافق الاجتماعي، والسياسي.. والأدوات الدستورية مهمتها إدارة الصراع السياسي الطبيعي بشكل مقبول ومتوازن، ولكن حين تتحول هذه الأدوات وتكون لدى البعض مجرد «قمصان عثمان» يرفعها كل طرف لأهدافه الخاصة، فهنا يبدأ الانهيار السريع، ويدخل البلد في مواجهات لا تؤدي إلى نتيجة سوى خسارة الجهد والمال والوقت والاستقرار.

الفساد لن ينتهي، لكنه يمكن أن يتضاءل إن ساد التوافق. والمصالح الخاصة ستبقى قائمة لدى بعض الانتهازيين، لكنها لن تجد طريقها للتحقق إذا أدرك الجميع أن المواجهة الحقيقية مع هؤلاء تكون بمنعهم من ضرب أي جهد توافقي بين الأطراف المؤثرة في المشهد السياسي المحلي.

وهنا يأتي الدور المهم جداً للمواطنين؛ فالشعب الكويتي ذكي بطبعه، ومهما حاول البعض دفعه لأن يكون مجرد أداة في الصراع، يبرهن الكويتيون دوماً بأنهم أمة تمارس السيادة على سلطاتها وفقاً لما نص عليه الدستور.

لهذا كله كل ما نحتاج إليه في الكويت في هذه المرحلة التاريخية المهمة، هو سلاح الوعي لوأد كل المحاولات التي تستهدف إبقاء الجسد الكويتي هزيلاً ومريضاً، والتوافق هنا يبقى دائماً المصل والعلاج.

تعليقات

اكتب تعليقك